مقابر الفلوجة
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. فاضل البدراني[/COLOR][/ALIGN]
في إطار البحث الجاري عن المقابر الجماعية التي ملأت الارض العراقية جراء استهتار جيش الاحتلال الأمريكي وإفراطه في استخدام السلاح عقب غزو العراق واحتلاله، وتنشغل بها وسائل الاعلام اليوم فإن الفلوجة التي تجاورها المقابر كررت السلطات المسؤولة فيها مطالبتها مراراً لدى حكومة بغداد بتقديم الدعم المطلوب من مختبرات تحليل الحمض النووي ومنح مالية لانهاء ملف المئات من المفقودين منذ ما يعرف بأحداث الفلوجة -2 في نوفمبر .2004
ويكيل مسؤولو الانبار والفلوجة اتهاماتهم لحكومة بغداد بالتغاضي عما يمكن تقديمه للإسراع في معرفة تفاصيل عن المقابر الجماعية وما تحويه من رفات جلها من سكان الفلوجة والانبار، وهو أمر نجم عن الضغط الشعبي عليهم للمساعدة حتى لا يبقى الناس يعيشون في الوهم والتضليل والسير خلف السراب بحثاً عن حقيقة لونت جدرانها بضبابية الأيام والسنوات، وما اكتنف ذلك من إهمال يتجه عكسياً عن معزوفة الاحتلال المفبركة في إشاعة ثقافة حقوق الانسان التي رافقت حملة غزوه لبلادنا. ففي شمال شرقي الفلوجة توجد مقبرة جماعية تحوي أكثر من 400 رفات قتل أصحابها بنيران الجيش الأمريكي وفي جانب مماثل منها بالاتجاه الغربي توجد مقبرة ثانية تحوي أكثر من 70 رفات أيضاً قتل اصحابها بنيران جيش الاحتلال الامريكي في احداث نوفمبر 2004، ودفنت الرفات انذاك بجهود منظمات إنسانية محلية ودولية مثل الهلال الأحمر العراقي والصليب الأحمر الدولي فضلاً عن متطوعين آخرين، وتتحدث الوثائق من أقراص فيلمية متوافرة الآن لدى السلطات المحلية بالأنبار والفلوجة عن طبيعة الوفيات، فمنها من مات متحلل الجسد ومنها من مات من دون ان تخترق جسده طلقة واحدة بل قتل بالرياح السامة وبعضها مجرد هيكل عظمي،وهكذا دواليك، ومقابل ذلك تسجل الاحصاءات الرسمية عن فقدان الآلاف من مواطني الفلوجة في محافظة الأنبار في تلك المعارك، ورغم مضي سنوات على فقدانهم فإن عائلاتهم تعيش دوامة القلق والتخبط يسيطر على تصرفاتها وتبلغ تأثيرات الشائعة آماداً واسعة في سلوكاتها، والسبب معروف أن من لم يعثر على الحقيقة يبق يسير خلف السراب التائه والنتيجة الضياع.
مسؤولو الأنبار يشكون من عدم كتراث حكومة بغداد بمطالبهم رغم توافر جميع المعطيات بوجود قضية إنسانية تستوجب المعالجة فوراً، ولكننا نشاطر الجميع بأن المنظمات الدولية لم تعد تهتم بالشأن العراقي فلا مجلس الأمن الدولي ولا الأمم المتحدة ولا الجامعة العربية ولا منظمة المؤتمر الإسلامي اكترثت بالموضوع وعملت على إدراج هذا الملف في جدول أعمالها وأصغت لمطالب العراقيين أبداً، وكل الذي فعلته أنها جسدت مقولة العراقيين بلهجتهم الدارجة «اني شعلية أتركها لغيري» وهذا واقع الحال المعمول به اليوم. ويأتي العتب مركباً من مسؤولي سكان الأنبار ضد حكومة بغداد، فالأول منه يتمثل في عدم الانصياع لمهمة كشف اعداد الرفات، والثاني يتعلق بظهور دورها في الاهتمام بمقابر المجهولين في مناطق أخرى من البلاد، وهنا يتساءل مجلس محافظة الأنبار: أين العدالة؟ إن الكثير من العائلات الفلوجية تتجاور في سكنها من قبور أبنائها الذين دفنوا عشوائياً في خضم الأحداث العسكرية التي كانت تدور حول تخوم الفلوجة ومعرفة الحقيقة عندها تعد اليوم مهمة لكي لا تبقى تعيش في التيه ولاسيما أن طبيعة مجتمعاتنا تحكمها الجوانب الإنسانية في الخاصية الإسلامية وكذلك الخاصية الاجتماعية التي يتحلى بها الانسان العربي. ان ملف المقابر الجماعية ملف شائك ومسؤولية انسانية دولية يجب عدم السكوت عنه مطلقا وهو أيضاً ملف يخص جوهر المسؤولية الحكومية في العراق. وفي جانب اخر يستدعي ان تنشط المؤسسات القضائية والانسانية بدورها في توثيق تفاصيله لدى المحاكم العراقية ومن ثم رفع دعاوى قضائية لدى المحاكم الدولية ضد الرئيس الامريكي السابق بوش الاصغر واركان ادارته ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير وضد قادة الجيش الامريكي الذين اشرفوا على قيادة تلك المعارك غير المبررة. انها قضية مزعجة وتعطي في دلالاتها أن العالم يعيش اليوم في ظلام تغيب فيه شمس الحرية عن فضائها الانساني، ويمكن أن نسميه فيروسا ولد في رحم الرأسمالية العالمية وبكل أسف انتقل الى محيطنا الاسلامي ولكن ما ضاع حق وراءه مطالب.
التصنيف: