معرض الكتاب بين الثوابت والمتغيرات
د. إبراهيم بن عبدالعزيز الدعيلج
كثُرَ الهرج عن معرض الكتاب الدولي الأخير في الرياض، وما حدث فيه من مناصحة بعض المحتسبين، أو حدث فيه من تجاوزهم فيها. واشتجرت الآراء والأقوال والمقترحات، وغدا موضوعاً لمن لا موضوع له يكتب فيه. وهناك من دس أنفه فيه، ولا علاقة له به، ولا فهم. وهناك من كان صاحب نزعة أو هوى، وأراد أن يغنم الفرصة فيثبت ما لديه من فساد. وعندي ـ وهو ما أرتأيته منذ بداية المشكلة، وكنت أظن أن الجميع يرتأونه ـ أن ما حدث في المعرض هو أمر طبيعي؛ فنحن أمة كلها تدعو بالمعروف، وكلها تنهى عن المنكر، وليس هذا الأمر حِكراً على أحد. أي : لا يعني أنه بتعيين رجال حِسبةٍ من قبل الدولة لأداء هذه المهمة يسقط هذا التكليف عن بقية الناس في الأمة.
ونحن ـ كذلك ـ أمة كبقية الأمم تمر ـ الآن ـ بمتغيرات هائلة في كل مناحي حياتنا : في الأخلاق والسلوك والعادات، حتى في أنماط المأكل والمشرب والملبس والمسكن. وبدأت هذه المتغيرات تنخر في أسس خصوصيتنا وشخصيتنا، وأخذت في تذويب ثوابتنا في ثقافات غيرنا من الأمم، بدعوى ضرورة الانفتاح على العالم.فلا يمكن لأحد أن يتصور أن يمر معرض الرياض الدولي ـ في ظل هذا الذي طرأ في طول البلاد وعرضها من تأثر بالغرب والشرق الآن ـ دون أن يستنكر بعضنا من بعض ما يرى فيه من صور التغيير الممجوج المرفوض. والمعرض يستقبل ـ يومياً ـ ثلاثمائة ألف شخص، كما جاء في إحصائية إدارة المعرض، وليسوا جميعاً يمثلون النخبة والمثقفين. بل فيهم كثير من العوام، وفيهم من جاء وحده أو بالعائلة للتسلية والنزهة والفرجة، ولابد أن هناك من جاء لأغراض أخرى أيضاً.
المعرض يعج بالناس، وفيهم المتمسكون بالثوابت وفيهم المنفتحون على المتغيرات. وهو مفتوح للرجال والنساء، وللأفراد والأسر، وللشباب والشابات. فكيف لا يكون فيه من يتصدى للنصيحة ؟ وكيف لا نتوقع أن يكون هناك تجاوز ـ أيضاً ـ من بعض المتشددين ؟
إن الواقع يفرض علينا أن نتقبل هذا الذي حدث بكل هدوء وحكمة ورضا نفس؛ فالمعركة بين الثوابت والمتغيرات كالمعركة بين الحق والباطل لا تنتهي بالكلام. فكما أن هناك من يتجاوز في هذه المتغيرات فهناك من يتجاوز في نهيه عن المنكر. وليس من النصفة أن نحتج عن متجاوزين دون متجاوزين وتحتاج المعركة إلى تفعيل دور الأسر والمدارس والأندية والإعلام في التوعية بضرورة أن نأخذ بمبدأ الوسطية، وهو أن نتغير مع المحافظة على ثوابتنا.
القافلة تسير، ولابد لسيرها من كوابح، حتى لا تتعرض لمآس وكوارث.
قبسة :
الوطنية، بالمسؤولية الجماعية.
\”ريتشارد والدنجتون\”
مكة المكرمة : ص ب : 233 ناسوخ : 5733335
التصنيف: