مطاردة الوهم إلى متى ؟
الأعداد الكبيرة من المرضى الذين شاهدناهم يتدافعون زرافات للوصول إلى أحد المعالجين الشعبيين بمدينة حائل ومن بعد ذلك إلى مدينة جدة بعدما استأجر استراحة لهذا الغرض ، تلك الأعداد تعطي دلالات عدة ، لعل أهمها قصور وزارة الصحة من القيام بواجبها -كما ينبغي- تجاه أولئك المرضى الذين يتعلقون بخيط الأمل من أجل الشفاء وهم معذورون بأية حال .
وجلّهم من المعاقين أو شبه المعاقين الذين تأثرت أجسامهم نتيجة إصاباتهم بالجلطات أو حوادث السيارات وغيرها . ووجه القصور ينحصر في عدم وجود مرافق كافية لمعالجتهم وتأهيلهم بالصورة المطلوبة . كما أن تلك الجموع الكبيرة تكشف رداءة الوضع في هذا الجانب رغم كثرة الاعتمادات وضخامة الميزانية المخصصه لوزارة الصحة ، ومع ذلك ليس هناك مراكز كافية للتأهيل والقائم منها مثل عدمه.. وهذه إشكالية كبيرة يفترض ألا تغيب عن أذهان المسؤولين في هذا القطاع الهام، بل يجب أن تُناقش على كل المستويات ، فحكومتنا الرشيدة وضعت الإنسان في صلب اهتماماتها ومحور خططها ومن أجله كانت الموازنات الهائلة كل عام . لكن هذا الكم البشري من المعاقين يوحي بأن هناك خللاً واضحاً يجب أن يشخّص ويعالج .
فالمملكة بجغرافيتها الكبيرة ومساحتها الشاسعة ليس فيها سوى مراكز محدودة جداً للتأهيل الجيد وبمبالغ باهظة والوصول اليها صعب وشاق لدرجة أنه تحدد مدد قصيرة للمرضى المحولين على حساب الدولة لكثرة الطلب عليها وزيادة الأعداد المحتاجة للتأهيل .. وكثير منهم لا يستفيد من تلك الفترة ويتم إخراجه قسراً لتتعامل أسرته معه بطريقتها الخاصة . فتراهم يجرون خلف السراب بحثاً عن أمل ، مرة عند طبيب شعبي يعالج بالكي ومرة عند آخر يعالج بالأعشاب وثالث يعالج بالفصد..وهكذا تطول رحلتهم ويزيد عناؤهم في ظل عدم وجود المراكز المتخصصة التي تقدم الرعاية السليمة وفق الطرق الصحية الصحيحة ، لأن العلاج واستعادة الحركة مرهونة بإذن الله بالتأهيل والعلاج الطبيعي المنتظم ولفترة متواصلة ليست متقطعة كما هو في الدول الأخرى . ولا شك أن الاهتمام بهذا الأمر سيخفف كثيراً من معاناة المصابين أنفسهم وأسرهم بل سيجعل بعضهم أعضاء عاملين ومنتجين يساهمون في خدمة بلادهم بدلاً من بقائهم محبوسين داخل جدران أربعة ينتظرون مخصص الضمان الاجتماعي . وربما لو قلبنا المعادلة بحساب ما يصرف لهم من معاشات الضمان فإنها قد تكون كافية في الأساس لمعالجتهم وإعادتهم بإذن الله إلى ممارسة حياتهم الطبيعية .
لكن ستظل مطاردة الوهم مستمرة في ظل غياب البدائل المناسبة . وستكون الخسائر مضاعفة دون ريب ماديا وصحيا واجتماعيا .
ولعل وزارة الصحة تدرك تماما أن القيام بالواجبات وإكمال المتطلبات وزيادة برامج التوعية أولى كثيرا من تعقب المعالجين الشعبيين وتطبيق العقوبات عليهم ، حيث سيلغي دورهم تلقائيا مع اكتمال المرافق وسهولة أمر العلاج . لكن سيصبح وجودهم قائما في ظل النقص مهما كان مهما كان .
ونحن في الواقع نعوِّل كثيرا على الوزير الحصيف توفيق الربيعة لمعالجة ما تراكم عبر السنين وإحداث نقلات نوعية على المستوى الطبي والعلاجي في المملكة حتى يقتنع مرضانا بالعلاج في الداخل والتوقف أيضا عن الجري دائما وراء السراب .
التصنيف: