مصر.. بعروبتها وبامتدادها القومي

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. عبد العزيز المقالح[/COLOR][/ALIGN]

انتهت الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في مصر العربية بسلام ولم يحدث ما كانت تتوقعه بعض الدوائر السياسية في الداخل والخارج من فوضى تؤدي إلى إلغاء الانتخابات أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى. لقد كان التنافس بين المرشحين وأنصارهم في حدود المعقول والمألوف، وأثبت أشقاؤنا في مصر العزيزة أنهم على درجة عالية من الشعور بالمسؤولية والانضباط، وأن الخلاف أو الاختلاف في وجهات النظر لا يؤدي إلى افتعال أعمال ومعارك من شأنها أن تعرقل هذا الاستحقاق أو تسيء إلى الشخصيات التي تطمح إلى الوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية بعد الأحداث العاصفة التي شهدها هذا البلد وما رافقها من انفعالات وتسلل العاطلين، وما يسمى بالبلاطجة، إلى صفوف المتنازعين أو المختلفين في وجهات النظر من قوى الثورة التي قادها شباب مصر عبر \”الفيس بوك\” والمظاهرات، في صورة رمز الثورة ميدان التحرير.ولا أظن أن انتخابات رئاسة في بلد ما، عربياً كان هذا البلد أو غير عربي، قد شدّت اهتمام المواطنين العرب في كل أقطارهم كما شدتهم الانتخابات في مصر العربية.
فما يجري اليوم في مصر لا بد أن يكون له أثره وأصداؤه في كل أقطارنا، فمصر ليست قاعدة الوطن العربي فحسب، وإنما هي الأنموذج الذي به يقتدى، والمركز الذي ينطلق منه التأثير إلى كل المنطقة وما يجاورها، ليس في هذا العصر، وإنما منذ قرون، ومن يراجع التاريخ العربي ابتداءً من الحقبتين الفاطمية والمملوكية إلى الحقبة العثمانية، وإلى الحقبة الناصرية يدرك حقيقة هذا التأثير وأبعاد الدور الذي تقوم به مصر .
واللافت في أمر الانتخابات الأخيرة في مصر، سواء في دورتها الأولى أو ما سيكون في الدورة الثانية هو انقسام المواطنين العرب بشأن المرشحين للرئاسة، وصل الحماس في بعض الأقطار العربية إلى درجة تجعل المتابع لهذا الشأن يعتقد أن الرئيس الذي سيتولى الحكم في مصر مقبل على أن يتولى الحكم في جميع الأقطار العربية، وهو دليل على المكانة التي تحتلها مصر في قلوب أبناء الأمة العربية، ودليل آخر على ما ينتظره الجميع منها في العهد الجديد الذي لا بد أن يفعّل دورها انطلاقاً من تاريخها الناصع ضد كل قوة تحاول العدوان أو الإساءة إلى أي جزء من أجزاء الوطن العربي الكبير.
لقد مرت مصر العربية في السنوات الأخيرة بظروف قاسية، ومن حقها الآن أن تستعيد عافيتها ومكانتها، وأن تعمل أولاً على استرجاع ثقة المواطنين العرب الذين كانوا، ولا يزالون يرون فيها صمام أمان المنطقة والقوة الأساس في حماية الأمن القومي، وألا يلقي قادتها الجدد بالاً إلى تلك الأصوات النشاز التي تتحدث بروح إقليمية نقية عن مصر للمصريين، فقد أثبتت السنوات الأخيرة، وبما لا يحتمل أدنى شك، أن مصر بعروبتها وبامتدادها القومي، وأن انكفاءها على نفسها يعرضها لمخاطر يصعب حصرها، وأن آخر من يحق لهم الكلام في حاضرها ومستقبلها هم أولئك الذين عملوا جاهدين على مدى سنوات في تحجيم دورها والتنكر لمسارها التاريخي العظيم.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *