عبدالحميد سعيد الدرهلي

مصادر تربية أطفالنا من اين تأتي؟! هذا سؤال يضعه التربويون في مقدمة البحث عن استشراف صورة المستقبل الذي نحفظه نحن أمانة الى ان يرشد الاطفال ويقدروا على احتضانة.. امانة يطورونها الى ان يحين نقلها الى جيل آخر.
هي هكذا الصورة، او على هذه الشاكلة يرسمها الذين يصوغون أدب تداول الايام بين حاضر يقوم على انجاز من سبق، ومستقبل عناوينه يكتبها الفاعلون اليوم. وإذا كانت تربية الاطفال نقشاً تصعب ازالته اذا ما تم فإن ادوات هذا النقش وحروفه تبقى عند التربويين بأهمية الغذاء الذي يبني جسد الطفل ويسير به باتجاه الرجولة.
فالتربية الروحية والنفسية والجسدية ثلاثية متلازمة لطالما تحدث عنها علماء التربية على انها الاقانيم التي تساند بعضها بعضاً. وان غياب اي طرف منها انما يعني تشوهاً لابد وان يصيب العناصر الاخرى من البيئة الانسانية لمواطن المستقبل الذي تعول عليه كثيراً.
نبحث عن مصادر تربية اطفالنا فماذا نجد؟ ان لكل فئة عمرية مصادر خاصة، وان تشاركت اكثر من فئة في بعض من هذه المصادر، فسنوات ما قبل المدرسة لها مصادرها التي تتنوع بتنوع البيئات التي تحتضن طفولة هذه الفترة التي تمتد بين لحظة الولادة واليوم الاول في المرحلة الاساسية من \”التربية والتعليم\” على اعتبار ان البناء المدرسي الذي ننظر اليه على انه \”حاضنة التعلم\” هو.. أو يجب ان يكون \”مختبر التربية\” ايضا. هكذا، وقياسا فإن بيئة البيت ومعها الحضانة بمراحلها كلها هي ايضا حاضنة ومختبر للتعلم والتربية وهي اول ما يخضع له الطفل من مؤثرات حوله تؤثر سلباً أو ايجاباً في بنيته التربوية وتحدد ما قد تكون عليه شخصيته المستقبلية التي يفترض اننا حريصون على بنائها سنداً لفلسفة تربوية تسعى لانتاج مواطن بمواصفات تحدد هذه الفلسفة.
قد تكون سلطة الابوة، وحرص الامومة او مكونات عناصر التربية، لكن هل ما تزال هذه السلطة قائمة. هل ما يزال حرص الامومة متوفراً؟ ان التمعن بالبيئة البيتية عند شريحة واسعة من ابناء مجتمعنا يمكن ان تقدم اجابات ليست باعثة على الاطمئنان. فالابوة احياناً اما غائبة لاسباب مطاردة لقمة العيش.. وكذا الامومة على امتداد وقت كبير، واما بعيدة عن بيئة المنزل ليس لهذه الاسباب وانما لاسباب اخرى، في حين نجد ان هناك حاضنات تربية بيئية تكون \”خادمة\” وهي سيدة الموقف فيها، كلا الحالين يقدم نموذجاً سلبياً تماماً يصوغ ظروف تربوية في مرحلة عمرية ابتدائية لكنها اساسية في تشكيل الوجدان التربوي، ربما بدأنا نلمس نتائجه في الكثير مما نشاهده من سلوكيات تنبئ بجلاء غياب ضوابط سلطة الابوة وحرص الامومة عن مرحلة النقش الاولى في بناء تربية الابناء.
بعد ذلك على امداد سنوات من المرحلة الاساسية، من بعدها الالزامية، وصولاً الى الثانوية، تحتكم العملية التربوية ولمساحة لا بأس بها لوسائل مرئية من منتجات تكنولوجيا العولمة التي هدمت الجدر بين قيم المجتمعات وبدأت تؤسس لمنظومة قيمية عالمية لا تعترف بحد أو حدود وتسعى الى حشد انسان عالم اليوم في قرية كبيرة واحدة موحدة القيم والاهداف.
إن التلفزيون بداية واحد من أكثر المصادر تأثيراً في صياغة ألوان التربية عند مساحة لا بأس بها من الطفولة والفتوة، في حين تبرز الشبكة العنكبوتية بما تقدمه من اختراقات لتكون المصدر الأكثر تأثيراً في صياغة القيم التربوية عند الفتيان والفتيات والمراهقين والمراهقات وبالتالي تدفع هي الاخرى نحو عولمة قيمة إذا لم تبن فلسفة تربوية مثيلة متماسكة، فإن سلبيات هذه الاختراقات سوف تحبط جهودا متواصلة نبذلها الآن للنهوض بالعملية التعليمية التربوية.

* مدير عام وزارة التخطيط / متقاعد
فاكس 6658393

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *