مشاريع قوانين إسرائيلية عنصرية تطال الأردن والفلسطينيين

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]غازي السعدي[/COLOR][/ALIGN]

يذكرنا التخبط والإرباك الإسرائيلي، بطرح مشروع على الكنيست، تحت عنوان «دولتان لشعبين» على جانبي نهر الأردن- والمقصود بدولة إسرائيلية، والأخرى فلسطينية، أي أن الأردن هي فلسطين-، بأزمة الحكم التي تعيشها إسرائيل، وهذا يعيد إلى الأذهان ظاهرة غريبة عجيبة، أخذت تظهر في الأردن في غضون الخمس عشرة سنة الماضية، تتعلق بعثور الكثير من الأردنيين على مخططات مكتوبة باللغة العبرية، على جلود غزال، ومدفونة في العديد من الأماكن، وخاصة القريبة من البحر الميت، إضافة إلى الأماكن الأثرية الأردنية الأخرى، ولأول وهلة يخيل للشخص الذي عثر على مثل هذه المخطوطات، بأنه عثر على كنز، وقد يحصل من الإسرائيليين على مبالغ مجزية مقابله، فالإسرائيليون وكعادتهم يبحثون عن كل ما يمكن دعم هلوستهم وتاريخهم المزعوم، بأن آباءهم وأجدادهم توطنوا في هذه المنطقة التي يطلقون عليها «أرض الميعاد»، ويحاول هؤلاء الأشخاص الذين عثروا على هذه «الكنوز»، البحث عن الذين يعرفون اللغة العبرية.
وسرعان ما يدركون بأن هذه المخطوطات التي عثروا عليها حديثة الطباعة وما هي سوى مخطوطات مدسوسة من قبل الإسرائيليين لا قيمة تاريخية أو أثرية لها، فمن هم الأشخاص أو الجهة التي تعمل على زرع هذه المخطوطات المزورة في الأراضي الأردنية؟، ولماذا الأردن بالذات، وهل يندرج ذلك في إطار المخطط الصهيوني – الديني – التوراتي الذي يعتبر أن الضفة الشرقية من نهر الأردن، جزء مما يسمى بأرض إسرائيل؟، وهل أنها للتدليل على نظرية اليمين الإسرائيلي البائدة بأن للأردن ضفتين، هذه لنا وتلك أيضا، حيث أن شعار حزب الليكود –وريث منظمة الأرجون الإرهابية- عبارة عن جندي يهودي يحمل بندقية منقوش عليها «هذه لنا وتلك أيضا»، رجل لهذا الجندي في الضفة الغربية والأخرى في الضفة الشرقية، وهل عودة اليمين الإسرائيلي إلى الحكم سيعيد الصراع في هذه المنطقة إلى المربع الأول؟.
إن هذا الأسلوب الخبيث، يجعلنا نربط بينه وبين خمسة مشاريع عنصرية متطرفة، وغير ديمقراطية، قدمت للكنيست قبل مضي أقل من شهرين على تشكيل الحكومة الإسرائيلية، وهذه المشاريع هي: الأول: قانون الولاء للدولة بصفتها يهودية وصهيونية، وطرح من قبل حزب إسرائيل بيتنا، أي حزب «أفيجدور ليبرمان» الفاشي على الكنيست بتاريخ 24 /5 /2009، والقانون الثاني: يحظر إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، قدمه نائب الكنيست «أليكس ميلر» من حزب إسرائيل بيتنا وذلك بتاريخ 24 /5 /2009 أيضا، والقانون الثالث: تكريس يهودية الدولة، قدمه النائب «دافيد روتم» من حزب إسرائيل بيتنا، والقانون الرابع قدمه النائب والوزير السابق «زبلون أورليف» من حزب البيت اليهودي والذي يحمل عنوان «التحقير وعدم الولاء للدولة»، صادقت عليه الكنيست بالقراءة العاجلة وهذا القانون يقضي بفرض عقوبة السجن لمدة عام، لكل من لا يعترف بإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، وهذا القانون الذي حظي بتأييد (47) نائبا، ومعارضة (34)، يذكرنا بالقوانين التي شرعت في بعض الدول الأوروبية، تحت الضغط الصهيوني، والتي تقضي بمعاقبة وسجن كل من لا يعترف بحصول المحارق ضد اليهود في العهد النازي أو ينكرها ويشكك فيها.
أما مشروع القانون الخامس – وقد يأتي بعده ما يأتي، والذي نحن بصدده في هذا المقال، ونعود في وقت لاحق لمناقشة القوانين الأربعة آنفة الذكر- فالنائب «آرييه إلداد» من حزب الاتحاد الوطني، تقدم بتاريخ 27 /5 /2009 بمشروع قانون لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتأكيد على أن الأردن هي الدولة الفلسطينية وعلى من لا يرغب من الفلسطينيين بالعيش، بعد عملية الضم تحت الحكم الإسرائيلي، الانتقال للعيش في الأردن، ومن يرغب في البقاء يحصل على مكانة مقيم وليس مواطنا، وأن يتمتع بجنسية أردنية، ويصوت في الانتخابات للبرلمان الأردني وأنه لا حاجة لدولة فلسطينية، وكأن مقدم المشروع أخذ لنفسه الحق بمنح الجنسية الأردنية للفلسطينيين، بل ويدعي أن على الأردن عدم القلق من إسرائيل، بل على الأردن القلق من الفلسطينيين، فهذا الاقتراح المجنون الذي يفصل للفلسطينيين وللأردنيين ما لا يقبلون به يثير الدهشة، فمقدم المشروع معروف بعنصريته وبفاشيته أبا عن جد.
فهو من أشد المتطرفين والحاقدين على الفلسطينيين، لكن الغريب أكثر، أن (53) نائبا صوتوا إلى جانب اقتراحه في الكنيست، بمن فيهم زعيم حزب العمل «أيهود باراك»، إضافة إلى خمسة نواب من حزبه، كما أيد هذا المشروع خمسة من نواب حزب «كديما»، وعارض المشروع تسعة نواب فقط أغلبيتهم من النواب العرب، ومع أن الحكومة الأردنية ردت بشدة على هذا الاقتراح الوقح – حيث من خلال وزير خارجيتها تم استدعاء السفير الإسرائيلي، الذي استمع إلى توبيخ واستنكار جراء هذا الاقتراح- إلا أن المزعج والذي يثير القلق، هو هذا العدد الكبير من النواب الذين أيدوا المشروع، والعدد القليل من النواب الذين عارضوه، كما أننا لم نسمع ولا كلمة اعتراض واحدة، من رئيس الوزراء «بنيامين نتانياهو» على هذا المشروع، في وقت هناك معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل، مما علينا عدم الاستخفاف بهذا المشروع الذي يشعل ضوءا أحمر … أحمر.. أحمر.
المشروع المذكور أحيل إلى لجنة الخارجية والأمن في الكنيست لمناقشته، والسفير الإسرائيلي في الأردن يعتبر أن المشروع شخصي من قبل النائب المذكور وليس من قبل الحكومة، فكيف يسمحون لأنفسهم التدخل بالشؤون الداخلية للأردن؟، فالأردن ينظر بخطورة بالغة لهذا المشروع وهذا التصرف، على الحكومة الأردنية أن لا تكتفي باستدعاء السفير الإسرائيلي وتوبيخه، بل عليها القيام بإجراءات أخرى، وعلى الأقل استدعاء السفير الأردني في إسرائيل للتشاور، وذلك للتعبير عن الاستنكار والغضب، وباعتقادنا أن الملك عبد الله الثاني، سيتخذ الإجراءات اللازمة ضد مثل هذا التحريض ، هذا المشروع من شأنه إلحاق أضرار جسيمة بالعلاقات بين البلدين، فمجرد وجود من يفكرون في إسرائيل بمثل هذه الأفكار، من شأنه إحداث قلق شديد لدى الأردنيين والفلسطينيين على مستقبل علاقتهما بإسرائيل.
رئيس الدولة «شمعون بيرس»، كان الوحيد بين القيادة الإسرائيلية، الذي عبّر عن غضبه وتصديه لهذا المشروع، الذي يرى بالسلام مع الأردن حجر الأساس في سياسة إسرائيل في المنطقة، وهاجم الذين يتدخلون بشؤون الأردن الداخلية، مؤكدا على أن الأردن دولة مستقلة وجدية، تشتمل على تراث هاشمي، ولا يحق لأي جهة إلقاء الحجارة عليها –والقول «لبيرس»-، فإذا كان مشروع «إلداد» من أجل إثارة الضجة، فإن هذه الضجة مردودة على إسرائيل، فالأردن هو الأردن، والقضية الفلسطينية يجب حلها في فلسطين، وعلى الأرض الفلسطينية والقول «لشمعون بيرس» أيضا، لكن من المعروف أن صلاحيات «بيرس» محدودة جدا، ولا تزيد صلاحياته عن صلاحيات ملكة بريطانيا.
إن الحكومة الإسرائيلية ترتكب الأخطاء وتتخبط وتفتعل المشاكل، وتسير باتجاه التحفظ والعزلة الدولية عليها، لكن المثير أيضا، أن «آريه إلداد»، وفي تصريحات له في جريدة «معاريف 28 /5 /2009»، عاد وأكد على مشروعه، رافضا الانتقادات الأردنية، وهنا لا بد من التنويه، إلى الذين يطالبون بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل من بين الأردنيين لمراجعة حساباتهم، ليس على أساس عاطفي، بل لينظروا إلى الوضع من جميع أطرافه، فإن إلغاء المعاهدة سيستقبلها إسرائيليون كثر بالترحاب، أمثال مقدم المشروع، والذين يسيرون على فلكه، وفي مدرسته، إذ أن الإنجاز الأكبر للأردن من خلال معاهدة السلام، كان ترسيم الحدود، للتخلص من الذين ينادون بأن الأردن هو فلسطين.
وأن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «آرئيل شارون» أول الذين نادوا بهذه المقولة، فإن العودة إلى ما قبل معاهدة السلام، يقدم عن قصد أو دون قصد، أكبر خدمة للمتطرفين الإسرائيليين ومشاريعهم، وإلى المشككين بالأردن كدولة مستقلة وذات سيادة وأن للمخططات العبرية التي أخذنا منها بداية هذا التحليل، الصلة بينها وبين هذا المشروع وبظننا أن الأردن –حكومة وجيشا وشعبا- يستطيع الدفاع عن أرضه وشعبه وسيادته، فالمطلوب المزيد من الحذر، وأخذ مثل هذه المخططات الإسرائيلية على محمل الجد.
الشبيبة العمانية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *