[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أنس الدريني [/COLOR][/ALIGN]

لم تكن قضية الوطن لديه مجرد قصص أو شِعارات .كان مسعود يحلم بأن يكون جامعيا مرموقاً بيد أن أحلامه توارت منذ أن صُكت في وجهه أبواب جامعاتنا المحترمة لكن حبه لوطنه لم يتوارى ظل يلازم عاطفته الصادقة وينمي فيه الرغبة الملحة لخدمة هذا البلد المعطاء
وعلى سيّر الأيام المتكالبة بالمسؤوليات الجسيمة يمضي مسعود محملاً بالوطن ليتكئ على صدره كلما داهمته الأحزان . والدة مسعود أم عجوز متعبة تعاني من الصرع وتبعات الضغط والسكر ..أبوه توفي منذ عامين ..ولديه من الأخوة ثمانية لكلٍ واحد منهم احتياجاته ومطالبه ورغم كل التعب مازال مخلصا يؤدي واجبه على أتم وجه . قرر مسئولوه أن يستلم دور الحراسة اليومي أمام البوابة الجنوبية لشركة أرامكو على أن يمتثل للوقوف أمامها من السادسة صباحا إلى الرابعة عصرا , امتثل مسعود لأوامر قادته وأنتظم في مكانه دونما كلل.. يراوده الأمل في غد جديد يعينه على الإيفاء بمسؤوليات أهله .
على بُعد عشرة أمتار من وقوفه يجلس على الكرسي الدوار في الغرفة المكيفة «رجل الأمن التابع للشركة»..أمامه شاشة الإنترنت ..يتابع مؤشر الأسهم وأخر الأخبار.. العمل اليومي بالنسبة له فرصة للتنزه فالأمر لايتطلب منه سوى ضغطة زر ليسمح بمرور موظفي الشركة إلى الداخل والخارج ..ينعم رجل الأمن هذا برفاهية العيش مع ارامكو الموقرة .. راتبه يصل إلى 8000 ريال والغريب أن مؤهلة لايتعدى شهادة المتوسطة ..لازالت علاوته السنوية في ازدياد ..يحظى بخدمات علاجية على أعلى مستوى ..لديه «فيلا» من الطراز الفخم .. يأتيه مسعود كل يوم عند الثانية ظهرا طالبا منه أن يملئ كأسه الفارغ بالماء البارد .. لأنه منهك من حرارة الجو ولهب الشمس ..بعد مضي أيام من تاريخ وقوفه أمام البوابة بدأ مسعود يشعر بالقهر من هذا التمييز فأرامكو بالنسبة له وطن أخر غير وطنه
وطن جعله يتساءل ببراءة الأطفال من قتل أحلامي الجميلة أهو حظي المنحوس أم لعبة الأيام .لم يجد بُداً من البوح لموظف الأمن يشكي له أوجاع الحياة.. ليجد قوالب الرد جاهزة « الله يعينك يا مسعود» .. في اليوم الخامس والعشرين من الشهر الفائت ذهب مسعود لاستلام راتبه 3000 ريال ترافقه قائمة الانتظار المليئة بالأوجاع ..وقبل أن يستلم راتبه مات مسعود وأحلامه تنتظر عند بوابة أرامكو.
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *