مذكرات إمرأة راحلة من حياة رجل

نيفين عباس

إستيقظت ذلك اليوم الذى ظنت أنه بعيد ، تأكدت من تبديل ملامحها بعدما أجابتها المِرآه ، ظلت تسأل نفسها ، لما كل هذه المعاناة !!

إنطلقت لعملها بلا نبض ولا إحساس ، توقف الزمن بالنسبة لها عند تلك الأوراق ، أوراق أطلقت عليها مذكرات ، تركتها على سطح مكتبها وذهبت بعيداً ، داخل تلك الأوراق كان هناك نبض ينبض بكل تفاصيلها بذكريات كثيرة أضحكتها قليلاً وأبكتها كثيراً ، لم تصدق أن النهاية قد حان وقتها ، مضت إلى طريقها وهى تستعيد بالذاكرة بعض تفاصيل تلك الأوراق

حملت الورقة الأولى تفاصيل سعيدة ، تفاصيل عاشت فيها أول لحظات ولادة حبها ، عندما خفق قلبها تجاه رجل لم تتصور أن قلبها سيجده عن قريب ، ظلت تبحث عن ملامحه فى كل الوجوه حتى إلتقيا ، أحبته حباً حقيقياً وكأن لم يولد على الأرض غيره

إنتقلت بذاكرتها إلى تفاصيل الورقة الثانية ، الورقة التى دونت بها أول حديث دار بينها وبينه ، تقدمت بخطوات أنثى تشتاق لرجلاً ظلت تبحث عنه كثيراً ، تحدثت إليه وحاولت التقرب منه ، فى البداية لم يبد أى إهتمام ، لم تفقد الأمل فى حبه وإستمرت

حتى إنتقلت لأحداث الورقة الثالثة ثم الرابعة والخامسة حتى وصلت إلى العاشرة ، تلك الورقة التى صارحت بها رجل أحلامها بحبها الشديد له ، لم تنتظر أن يصارحها أو يتقدم هو بالخطوة الأولى ، دفعها قلبها فى لحظة حب أضعفتها وإهتز لها كيانها ، تتذكر فى تلك اللحظة تلك الصدمة والصمت الذى بدى على ملامحه ولكن سرعان ما تبدل بإبتسامة ظنت فى البداية أنها إبتسامة رضا

عاشت أجمل لحظات الحب معه حتى وصلت إلى الورقة الثلاثون من مذكراتها ، تلك الورقة التى تلقت فيها طعنة أودت بحياة قلبها الذى ظل يبحث عن الحب وإعتقد أنه وجده ، وجدته غارق فى بحر الخيانة وأدركت اللحظة الوحيدة الحقيقية فى تلك العلاقة وهى أنه لا يحبها ولا يكن أى مشاعر تجاهها سوى فقط أنه كان يرغب فى تمضية بعض الوقت ، لم تصدقه حاولت أن تكذبه كثيراً ولكنه أكد لها تلك الحقيقة

رحلت ولم تنطق بأى كلمة بعد ذلك ، وفى الورقة الواحدة والثلاثون تذكرت حجم المعاناة التى عاشتها والجرح النافذ الذى إعتقدت أنه سيلازمها كما أنفاسها طوال العمر ، تألمت كثيراً حتى وقفت عند الورقة المئة من مذكراتها وتسألت لماذا كل تلك المعاناة ؟

إبتسمت كثيراً وهى تمضى فى طريقها للعمل وقررت فى تلك اللحظة أن تلقى بكل ما ألمها خلف ظهرها ولا تلتفت للماضى مرة أخرى ، عند عودتها لمنزلها فى المساء نظرت إلى المذكرات وضحكت كثيراً على تلك الأوراق التى حُسبت من عمرها ، عادت لطبيعتها وكأن شيئاً لم يكن ، وكأنها أعطت لقلبها جرعة قوية من الدواء الذى يبرأ جرحه للأبد

عاشت كسابق عهدها ، منطلقة ، جميلة ، تضج بالحيوية والنشاط ، مضت الأيام سريعاً وإنسجمت مع مجتمعها وأصدقائها ، ولكن ما لم تتوقعه أن يأتى يوم ويعود بطل تلك المذكرات ، بعدما رن هاتفها ليعلن عن إتصال قادم من ذاك الراحل ، ترددت فى الرد ولكنها كانت لا تحمل أى مشاعر تجاهه سوى بعض مشاعر الفضول لمعرفة ماذا يريد الأن منها بعدما تعافت من الجرح

وجدته يخاطبها بلهجة لم تعهدها من قبل ، حدثها عن أنه إكتشف أنه يعشقها عشقاً حقيقياً لم يكن يشعر به إلا بعد رحيلها ، أقسم لها على إحساسه الشديد بالندم ، طلب منها أن تسامحه على كل لحظة كانت تتصل عليه حتى تطمئن وفى المقابل كان يشاهد إتصالتها المجنونة ويضحك كثيراً على خوفها الذى إعتبره سذاجة ، طلب منها أن تغفر له تجاهلها فى أشد أوقات إشتياقها وإحتياجها له ، طلب منها أن تغفر له خيانتها مع الأخريات وإحتقاره لقلبها الذى أعطاه الحب دون إنتظار المقابل ، إستمعت لأحاديثه وكانت مبتسمة وتشعر أنها إستعادت حقاً نفسها ، أغلقت الخط دون الإنتظار حتى ينهى أخر كلماته ، مضت إلى تلك الأوراق التى على مكتبها ونظرت إليها ثم قامت بحملها ووضعها داخل صندوق تضع به بعض الصور والذكريات القديمة

وتحدثت إلى نفسها بصوت العقل لا القلب تلك المرة ، فهى أيقنت فى تلك اللحظة أن ليس كل راحل يستحق البكاء والألم ، فكل ما مضى ألم قلبنا وأوجعنا يوم سيمضى حتماً ويصبح ذكرى ، فلا نرهق قلوبنا وننهك أرواحنا فى حب من لا يشعر بها ، وإعطاء من ينكر ، والتضحية من أجل من لا يتنازل ، فكل هؤلاء وغيرهم الكثيرين سيمضون يوماً ما ويحل محلهم أشخاص ظلوا يبحثوا حقاً عن قلوب حقيقية ، تحب بصدق وتعطى دون إنتظار المقابل

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *