[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]بخيت طالع الزهراني[/COLOR][/ALIGN]

** كلما زرت مدرسة من مدارسنا، فإنني انتزع الكلام انتزاعاً من مدير المدارس أو من المرشدين والمعلمين، وأيضاً عبر الهاتف من بعض مديرات المدارس اللواتي يكن أقل شحّاً في الحديث، ومبرر هؤلاء أنهم ممنوعون من الحديث للصحافة، وأن حديثهم للإعلام سوف يجرّ عليهم المشاكل من مرجعهم في ادارات التربية والتعليم، التي يبدو أنها فعلاً قد فرضت على الميدان التربوي أن يكونوا هكذا غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم، بل وحتى عن ذكر الحسنات في مدارسهم، أما السيئات والملاحظات، فالحديث عنها فيما يبدو أن دونه خرط القتاد!!.
** ذات مرة من مرات كثيرة زرت مدرسة في شرق جدة، لاستطلاع استعدادات مدارسنا لمواجهة عاصفة انفلونزا الخنازير حينذاك، وتصادف أن التقيت في مكتب مدير المدرسة، بأحد المشرفين التربويين، وأردت أن آخذ رأيه أيضاً، لكنه استمهلني دقائق حتى يستأذن من رئيسه ـ مدير مكتب التعليم في ذلك الجزء من جدّة ـ وخلال حديث المشرف مع رئيسه كنت أتابع مجريات ما يجري، وإذ بمدير المكتب يحذره تماماً من أن يتفوه بكلمة واحدة، حتى كادت تلك المكالمة أن تفسد عليّ جولتي الصحفية، وأن تصرف حتى مدير المدرسة من أن يقول لي \”كلمتين\” حول استعدادات المدرسة، وهو على أية حال كلام ايجابي يوضح في نهاية المطاف أن مدارسنا قد استعدت لتلك العاصفة الوبائية حينها.
** وظللت أفكر كثيراً في قرار وزارة التربية ومديري عموم التربية والتعليم بالمناطق والمحافظات، في إلجام العاملين بالميدان التربوي عن الحديث والتعبير عن رؤاهم فيما يدور بين أيديهم، من فعل تربوي تعليمي، هم الأقرب إلى تقديره وقياسه، وتوضيح السلبيات فيه من الايجابيات.. فإذا كان مدير المدرسة والمشرف التربوي ووكيل المدرسة والمعلم، لا يستطيع أن يقول لك كصحفي رؤيته، فإن هذا من وجهة خلل كبير، وممارسة قمعية لاسكات صوت الميدان التربوي من أن يصل إلى الشارع العام.. وإذا كان هذا هو حال هؤلاء، فكيف بالطلاب الذين يعلمونهم؟.. وكيف يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه؟.. وكيف يمكن لهؤلاء أن يدربوا أبناءنا وبناتنا على الحوار، والقدرة على تقديم رؤاهم في حرية تامة، وبشكل مستقل، ضمن أطر الحوار المؤدب والحضاري؟
** من الطبيعي وفي أجواء كهذه أن تزدهر ثقافة \”أسكت يا ولد\” وأن نجد أن أبناءنا وبناتنا أشبه بالخرس، الذين لا يقدر أحدهم على تنظيم أفكاره، وترتيب أقواله، وصياغة مطالبه وحواراته، وأفراحه وأحزانه ضمن أطر حضارية جميلة، تدل على أن المدرسة التي تعلم فيها قد علمته كل ذلك، وساهمت في تقديم مخرجات مميزة، من أول علاماتها أن أولادنا يستطيع الواحد منهم أن يكون طبيعياً، ومتوازناً ومنظم الفكر، بدلاً من أن يكون مهزوزاً، ومندفعاً، وعشوائي التفكير والحديث، فضلاً عن عجزه عن إدارة الحوار حتى ولو كان خريجاً من الثانوية العامة.
** نعم نحن نفهم أن وجود متحدث إعلامي في الوزارة، وفي كل إدارة للتربية والتعليم أمر له ايجابياته، ولكنه يظل في القضايا المهمة والحساسة، ولا تنافر فيما أعتقد بين وجود هؤلاء المتحدثين، وبين ترك الميدان التربوي بكل تفريعات المسؤولية فيه، من أن يتحدث كل أحد برؤاه، وقد تحدث أول الأمر عشوائية وتداخل أو تقاطع في الرؤية، ولكن مع الأيام سيتعلم الجميع، كيف يتحدث وكيف يوصل فكرته بشكل مقبول، دون الإساءة إلى أحد، إلاّ إن كان الرأي هو أن يظل الأمر في عمومه في حدود (كله تمام يا ـ أفندم) فهذه مسألة أخرى؟!.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *