«محل إعراب» الأخلاق في الأزمة المالية
هشام محمد
جاءت الأزمة المالية العالمية بنهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين كاشفة لعوار الكثير من الممارسات الاقتصادية مما فضح عيوباً وانتهاكاتٍ واضحة على مستوى التطبيق فيما يتعلق بالاقتصاد، كما أنها نسفت أي حديث عن كمال النظريات الاقتصادية المؤمنة بالسوق وتثق فيها ثقة عمياء.
وإن كان للأزمة إيجابيات، فلربما يُحسب لها أنها أحيت الحديث من جديد عن عدم الإيمان المطلق بالسوق وكفاءتها باعتبارها مقوما لأي اعوجاج أو زيغ، وكذا إثارتها للجدل بحثا عن نظم مالية جديدة تستصحب الأخلاقيات والفضائل، وبعثها من موات المناداة بإجراءات تتحلى بالخلق القويم، وتتخلى عن كل القيم السلبية كالجشع، والطمع واستبعاد أي روح تتحلى بالإنسانية والرحمة وهي في سبيلها لجني الأموال.
وعلى امتداد سنة كاملة، ثار الجدل حول أسباب ومنشأ الأزمة، وكثر اللغط حول المسؤولية تجاهها، واتخذت التدابير لمنع تفاقمها، وتم تداول الرؤى وطرح الأفكار حولها من جميع الجوانب، وتزامن مرور العام على وقوع أول نتيجة مؤثرة لها، وهي انهيار بنك ليمان مع انعقاد قمة العشرين، في 24 سبتمبر 2009، ويبدو أن الأفكار تبلورت، وجاء وقت تنفيذها في شكل سياسات بهذه القمة.
والحديث في تلك القمة تركز حول الإجراءات والقواعد التنظيمية ودور الكيانات الدولية الكبيرة في تنظيم ومراقبة الأداء الاقتصادي بهدف إصلاح النظام المالي/ الاقتصادي العالمي ومكافحة غياب التوازن فيه، وتحديدًا تشديد الرقابة على النظام المصرفي الدولي.
فقد تم خلال القمة إقرار قواعد تنظيمية جديدة تقوم على أسس اقتصادية ومالية مستحدثة تقبل بموجبه الدول والاقتصادات بحق الرقابة على الطريقة التي تدير بها اقتصاداتها بمساعدة صندوق النقد الدولي الذي خرج قويا من هذه القمة، كما حلت مجموعة العشرين محل مجموعة الثماني كمنسق دائم للنشاط الاقتصادي الدولي.
النقطة الأخيرة تعد مؤشرا واضحا على إبداء الدول الصناعية الكبرى شيئا من التواضع وهو خلق رفيع، يتسم بالتخلي عن الاستئثار بإدارة النشاط الاقتصادي العالمي؛ إذ ستلعب مجموعة العشرين وهي مجموعة تضم دولا متقدمة وأخرى نامية الدور التي لعبته سابقا مجموعة الثمانية التي اقتصرت عضويتها على الدول الصناعية الكبرى في العالم، كما أعلن مسؤولون أوروبيون عن اتفاق يعيد التوازن فيما يتعلق بحقوق التصويت في صندوق النقد لإعطاء وزن أكبر لدول مثل الصين.
من هنا، وبرغم اللغة الخشنة والجافة التي يتم بها محاولة علاج أسباب ونتائج الأزمة سواء من قبل قادة المجموعات أو وزراء المالية بالدول الأعضاء أو رؤساء المؤسسات المالية الدولية، يمكننا الشعور بشيء من الطراوة في تلك اللغة تتجلى فيها بعض الملامح الأخلاقية، كتلك التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو يتعهد بإصلاح النظام المالي العالمي: \”من الآن فصاعدا لا يمكن التساهل مع الممارسات غير المسؤولة للقائمين على القطاع المالي بهدف الحصول على مكافآت كبيرة\”.
يبدو جليا أن جموح وطمع وجنوح رؤساء ومديري المؤسسات المالية والمصرفية باعتبار الربح هو المؤشر الأوحد في أي عمل، وثقة الغرب – الذي يمثل قاطرة الاقتصاد العالمي ويقوده في السوق؛ وهي النظرية الاقتصادية الشاملة التي كان مفاد رسالتها الأساسية \”ثقوا في السوق\”، بات محل اهتمام ومثار سخط من الجميع بعدما اتضح دورهم المخزي في حدوث الأزمة.
ولعل هذا الذي دفع الكاتب الأمريكي بول كروجمان عندما كتب في النيويورك تايمز الأمريكية في منتصف سبتمبر 2009، وهو يصور المسألة باعتبارها \”خطيئة\” تستوجب تكفير الذنب الذي ارتكبه الاقتصاديون الذي \”أغوتهم فكرة كمال نظام السوق\” على حد تعبيره، وأن على مهنة الاقتصاد أن \”تتصالح مع رؤية أكثر تواضعًا، تقوم على اقتصاد السوق يحوي العديد من الفضائل\”.
التصنيف: