مجموعة بن لادن وكبوة جواد
في الاسبوع الماضي وعبر هذه الزاوية ” في وضح النهار” تحدثت تحت عنوان (لا مقارنة بين الحج وأي تجمع عالمي) حيث تطرقت للجهود الكبيرة التي تبذلها جميع مرافق الدولة ، بكل جدية وتضحية وفداء ، واشرت إلى حجم الاعداد مع ضيق المكان الذي تحكمه ضوابط شرعية وتباين التضاريس ، ثم نوعية القادمين للحج من خارج المملكة وداخلها ، وانهم في الغالب كبار السن والمرضى وبلغات شتى مما يتطلب معه خدمات عالية ومتنوعة ، وانه كل عام تسجل السعودية نجاحات تفوق الوصف ، ومواسم نادرة قد يحصل فيها احداث مزعجة ، في الغالب ليست نتاج قصور في الخدمات ، بل جهل وقلة توعية عند بعض الحجاج او ظروف مناخية خارجة عن إرادة البشر ، سيما وان مكة والمشاعر عبارة عن اودية وجبال مما يجعلها عسرة المسالك في الامطار وتحت الخطر وقت العواصف ، وكيف بإدارة الحشود بمكة وهي تحتضن حوالي مليونين ونصف مابين حاج ومن هم مسخرون لخمتهم بالإضافة لمليوني شخص هم سكان مكة الأصليين ، مما ينعكس ذلك على سلامتهم وتعرضهم للخطر لاسمح الله.
ولعلني هنا اليوم اتطرق إلى ماحدث قبل شهر تقريبا حيث كانت ساحات وملاحق الحرم المكي الشريف تحتظن مئات الالاف من القادمين للحج ومن اهالي مكة المكرمة بعد أن أدوا صلاة العصر ، وتفرغوا للعبادة ما بين طائف وساعي وقارئ ومحتسب ، في أجواء روحانية كالعادة لايشوبها سوى حفيف رياح قادمة عن بعد وهي تحتك بكل شيء ثم رعود وعواصف لم تشهد لها مكة المكرمة مثيلا من عصور ، يعقبها وفي الساعة 5:10 من ذلك “اليوم” مساءَ يوم الجمعة 27 /11/ 1436هـ ، سقوط اطول رافعة حول الحرم وتعد الخامسة عالميا من أثر تلك الرياح العاتية والتي كانت مسخرة لخدمة مشروع توسعة المسجد الحرام في مكة المكرمة ،وكان الحادث جللا ورهيبا ومأساويا لكنه قضاء الله وقدره ونحمد الله في كل حال وعلى أية حال.
كان السقوط مدويا وفيه قاصدوا بيت الله كثر وكانت جاهزية مرافق الدولة متأهبة مما كان معه التواجد السريع والتعامل الراقي ونقل المصابين والتحفظ على جثث الشهداء ، و كالعادة كانت الدولة من جهة أخرى حازمة وجازمة ، ممثلا في القيادة الحكيمة التي تواجدت بالموقع في ذات المساء وتابعت العمل على الطبيعة ، وشكلت لجنة عليا وعاجلة حيث امر مستشار خادم الحرمين الشريفين سمو أمير منطقة مكة المكرمة ،بتشكل لجنة عاجلة برئاسة المشرف العام على وكالة الإمارة للتنمية الدكتور هشام الفالح، للتحقيق في أسباب وتداعيات سقوط الرافعة , وباشرت مهامها بشكل عاجل وفوري.وكانت اسرع لجنة راعت الحدث والمناسبة بأهمية بالغة ، ورفعت تقريرها إلى الجهات العليا وفي فترة وجيزة وناجزة ، تم اعلان الديوان الملكي يوم الثلاثاء2 ذي الحجة 1436هـ أن تقرير اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادث سقوط رافعة الحرم المكي، نفى الشبهة الجنائية عن الواقعة ، لافتًا إلى أن سبب الحادث هو تعرض الرافعة لرياح قوية ، كما أصدر الديوان الملكي قرارا بإيقاف تصنيف مجموعة بن لادن السعودية ومنعها من المشروعات الجديدة . ايضا أصدر خادم الحرمين مرسوما بصرف مساعدة لذوي المتوفين والمصابين وتقديم تعويضات مالية نصت على صرف مبلغ مليون ريال لذوي كل شخص لقي حتفه في الحادثة، وصرف مبلغ مليون ريال لكل مصاب بإصابة بالغة نتج عنها إعاقة دائمة، كما نص أيضا على صرف مبلغ 500 ألف ريال لكل واحد من المصابين الآخرين.
وهذا يدل على جدية القيادة وانها لن تتساهل مع أي تهاون ، لذلك خالص الشكر والتقدير لقيادتنا الحكيمة كما نشكر اللجنة المشكلة التي سجلت موقفا مشرفا يتوافق وحجم الحدث والمناسبة ، كما لايفوتنى التنويه بالمحاسبة والتي تدفعنا في ذات الوقت أن نشيد بمجموعة بن لادن ككيان وطني وقيمة إقتصادية كبيرة وأن ما حدث لن يمحي منجزاتها التي تغطي بها المملكة بتميز ونجاح لن يسبقها اليه احد من قبل ، ولا شك أن لكل جواد كبوة تعيده للمسار المعهود بالركض والجدية والمثابرة وجودة الاداء ، فمجموعة بن لادن لم تولد في عهد الطفرة ولم تفد لتجني مكاسب ترحلها للخارج بل ولدت كتوأم لبداية الدولة السعودية ومواكبة ومشاركة في التنمية وكلنا يذكر جهود مؤسسها المرحوم محمد بن لادن ثم من بعده ابناؤه البررة ، في منتصف الثمانينات الهجرية وانا تلميذ بالمرحلة الابتدائية كنت اشاهد الشيخ محمد بن لادن رحمه الله ، مع صقيع الشتاء ، يدير بنفسه آليات العمل كعامل وليس رئيسا ومالك ، وكذلك اثناء شق طريق مكة الطائف الجنوب ، وكيف شيّد طرقا لا زالت قائمة بجودة عاليه حتى بعد مرور اكثر من 50 عاما .
جدة ص ب ـ 8894 تويترـ saleh1958
التصنيف: