مجموعة العشرين.. نواة أولى لتحول عالمي وشيك

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]إبراهيم غالي [/COLOR][/ALIGN]

هل انهار نظام \”بريتون وودز\” وما أنتجه من ترتيبات مؤسسية على الصعيد الاقتصادي؟ وهل يشهد العالم نظاما اقتصاديا جديدا تلعب فيه الاقتصادات الناشئة كالصين والهند والبرازيل الدور الأكبر؟ وهل تبدأ حقبة جديدة من العلاقات الدولية تكون الصدارة فيها للقضايا الاقتصادية على حساب القضايا الأمنية والعسكرية التي تصدرت الساحة طيلة السنوات القليلة الماضية؟ وهل ثمة انعكاسات سياسية لبروز الدور الاقتصادي لهذه الدول الصاعدة؟ وهل يمكن أن ينعكس ذلك على الوزن السياسي للدول الاقتصادية الصاعدة في المنظمات الدولية كالأمم المتحدة أو مجلس الأمن، أي هل نشهد إعادة هيكلة للمؤسسات السياسية العالمية على غرار ما يحدث راهنا في المؤسسات الاقتصادية؟ وهل يتغير نمط العلاقة بين الشمال والجنوب، بحيث يصبح للجنوب صوتا مسموعا في صياغة السياسات العالمية؟..
تساؤلات عديدة يثيرها الدور المتصاعد لمجموعة العشرين في صياغة السياسات الاقتصادية العالمية، وهو دور يشير إلى طبيعة التحولات التي يشهدها النظام العالمي على الأقل في الجانب الاقتصادي، من حيث وجود قوى اقتصادية صاعدة تملك مقومات التأثير على الاقتصاد العالمي بشكل لا يمكن تجاهله في صياغة السياسات الاقتصادية العالمية الآن ومستقبلا.هذه التحولات قد بلغت ذروتها مع اندلاع الأزمة المالية العالمية في نهاية العام الماضي، والتي دفعت الغرب إلى السعي نحو إدماج الدول الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا وجنوب إفريقيا في وضع الحلول للأزمة وصياغة سياسات عالمية بديلة، ومن ثم أُرغم الغرب على أن تصبح مجموعة العشرين \”الإطار العالمي الرئيسي للتشاور حول القضايا الاقتصادية العالمية\”.
في تقرير لها تحت عنوان \”نظام اقتصادي عالمي جديد يتشكل في قمة العشرين\”، قالت وكالة رويترز، إن \”قمة العشرين الأخيرة، والتي اختتمت أعمالها يوم 26 سبتمبر 2009 في الولايات المتحدة، كانت إيذانا بتشكل نظام اقتصادي عالمي جديد، تلعب فيه الاقتصادات الناشئة، مثل الصين، دورا كبيرا\”. ويعزي ذلك إلى أن قادة دول العشرين، من الدول النامية والمتقدمة، قد اتفقوا في قمتهم على قرارات من شأنها التأثير على الترتيبات المؤسسية العالمية الخاصة بالاقتصاد، حيث اتفقوا على أن تصبح مجموعة العشرين \”المنتدى العالمي الرئيسي للتشاور بشأن الأوضاع الاقتصادية\”، وكذلك على إصلاح صندوق النقد الدولي بشكل يجعله أكثر تمثيلا لدول العالم، وذلك من خلال زيادة القوة التصويتية للبلدان النامية التي ظلت لمدة طويلة تعاني من نقص التمثيل في الجسم المالي العالمي.
ورصد تقرير رويترز مجموعة من التداعيات الناجمة عن هذه القرارات، يتمثل أهمها في:
– أن هذه التحولات تعكس اعترافا من قبل الولايات المتحدة وأوروبا بالواقع الاقتصادي العالمي الجديد الذي تلعب فيه الاقتصادات الناشئة دورا أكبر، لا سيما في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي أضرت باقتصادات الدول المتقدمة بشكل أكبر من الدول النامية – أن تحول مجموعة العشرين لتصبح إطارا دوليا للتنسيق حول القضايا الاقتصادية من شأنه أن يجعل الدول ملتزمة بالحفاظ على التعاون فيما بينها حتى بعد الاضطرابات المالية العالمية والكساد. وجدير بالذكر أن مجموعة العشرين تحولت لمنتدى لاجتماع قادة دول العشرين بعد أن كانت قاصرة على وزراء المالية، وذلك عقب الأزمة المالية العالمية مباشرة- يثير اعتماد مجموعة العشرين كـ\”لجنة توجيهية اقتصادية جديدة\” تساؤلات حول ما إذا كانت مجموعة الثماني، التي تمثل بلدان العالم الصناعي، ستتلاشى في نهاية المطاف، أو أن تستمر في العمل لكن مع التركيز على القضايا غير الاقتصادية- تعد هذه التغيرات في دور مجموعة العشرين انتصارا للرئيس الأمريكي باراك أوباما، والذي استضاف قمة العشرين الأخيرة كأول قمة دولية له منذ انتخابه في العام الماضي؛ فمنذ انتخابه، دفع أوباما باتجاه إجراء تغييرات في الهيكل المالي للاعتراف بالنفوذ الاقتصادي المتزايد للصين وغيرها من الأسواق الناشئة- من شأن منح الدول النامية دورا أكبر في صندوق النقد الدولي وفي الشئون الاقتصادية العالمية أن يساعد أوباما على النجاح في سعيه إلى زيادة الطلب المحلي في الدول المصدرة الكبرى مثل الصين، ما سيسمح للاقتصادات بطيئة النمو، مثل الولايات المتحدة بإيجاد أسواق جديدة.
إن هذه التداعيات وغيرها ستجعل من مجموعة العشرين الفاعل الأهم على الصعيد الاقتصادي العالمي، بحسب كثير من المراقبين؛ وهو الأمر الذي يضفي مزيدا من الأهمية على معرفة التطورات التي مرت بها قمة العشرين منذ تأسيسها وحتى اليوم.
وكانت مجموعة العشرين قد تأسست في العام 1999 بمبادرة من مجموعة السبع لتجمع الدول الصناعية الكبرى، وذلك كرد فعل على الأزمات المالية التي حدثت في نهاية تسعينات القرن الماضي، وخاصة الأزمة المالية بجنوب شرق آسيا وأزمة المكسيك من ناحية، وكاعتراف بأنه لم يتم بشكل مناسب ضم الاقتصادات الناشئة لصميم الحوارات الاقتصادية العالمية من ناحية أخرى.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *