[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]فهد بن محمد علي الغزاوي[/COLOR][/ALIGN]

وصلني مؤخراً الإصدار الأول من مجلة (بكة) والتي تُعنى بمكة المكرمة كما جاء في خطاب ناشريها وبعدها الكوني ومكانتها الحضارية وأثرها الوجداني مع ذكر حاضر المدينة واستشراف مكانتها كأحد المراكز الحضارية المؤثرة في التاريخ الإنساني (والتي تُعنى بالتاريخ الإنساني).
فعلاً: سعدتُ كثيراً بهذا الإصدار وجمال الطرح وكونها تصدر من أجمل وأقدس بقاع الأرض قاطبةً وأُبارك وأهنئ نفسي أولاً قبل القائمين على هذا الإصدار الثمين في أول عدد لها 1 جمادى الآخرة 1431هـ / يوليو 2010م، وباعتباري أحد أبناء مكة المكرمة مولداً وطفولةً ورعاية وجدتُ في هذا الإصدار نوعاً من الراحة النفسية والفكرية خاصةً وأن هذا العدد يُصادف حلول شهر الصوم المُبارك، قرأتها بكل لهفة وتمعُن، الشيء الذي أحيا وجداني وجدد شوقي وأعاد لمخيلتي وذاكرتي أيام الطفولة والمراهقة والشباب والرجولة في هذه المدينة العتيقة في شعابها وجبالها وسهولها، أعادني إلى محلة سوق الليل وشِعب علي والسبعة الأبيار وأصحاب المتاجر في سوق الليل.. العم أحمد عاشور وأولاده والعم سنبس الخطيب وطعمية أبو الريش وأزيار (السوبيا) الصغيرة المغطاة بالقماش الأحمر وبيع قوالب الثلج في رمضان والسمبوسة والطرمبة والحلويات بأشكالها.
تذكرت زقاق الوزير.. ومركاز العم درويش دوش والعم علي خفاجي وبيت حمزة.. حملني هذا الإصدار إلى الرجوع بذاكرتي إلى أكثر من خمسون عاماً مضت بين رؤية بوابة بيتنا فوق السبعة الأبيار في سوق الليل (تذكرتُ الصفة والمجلس والمبيت والجِلا والمقاعد والطيرمة وحنية الفحم).
حقيقةً عشتُ لحظات سعيدة بصحبة هذه المجلة وتذكرت حينها مكتبة الثقافة والعاملين فيها وعلى رأسهم السيد عندما كنت أسأله عن الجديد من المجلات والدوريات وأهمها المنهل. عشتُ أجمل حياتي في هذه المدينة العتيقة الإسلامية، وكنت أجد أستاذنا الكاتب الكبير/ صالح محمد جمال – رحمه الله – يجلس بجانب السيد في المكتبة. حقيقة قدمت هذه المكتبة العريقة خدمات كثيرة وكبيرة لمثقفيها في مكة المكرمة، ومن منا لا يعرف مكتبة الثقافة في سوق الليل، وهي التي تعتبر رافداً من روافد عبق الماضي وظل الحاضر لأجيالنا القادمة الذين لا يعرفون محل سوق الليل أو القشاشية أو الغزة، هذه الأيام، بعد أن دخلت هذه المناطق والأحياء طوعاً في التوسعة الميدانية للحرم الشريف وأصبحت تمثل ساحات كبيرة للمصلين فزال مكانها وبقي عبقها وذكرياتها أمام أجيال مضت.
لا أشك أن منطقة مكة المكرمة لعبت دوراً حضارياً مميزاً عبر التاريخ وأصبحت منارة علم وفضل على كثير من أبناء الجزيرة العربية والخليج حيث يؤمها أعدادٌ كبيرة من الحجاج والمعتمرين وطلاب العلم، ولهذا كسبت مكة المكرمة والمدينة المنورة عدداً من العلماء والباحثين والفلكيين الذين تشرفوا بالتدريس بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وتركوا بصمات واضحة على أبناء هاتين المدينتين المقدستين.
ناهيك أن نصيب أبناء مكة والمدينة ثقافياً وحضارياً وفكرياً أثرى من غيرهم في باقي مدن مملكتنا العزيزة خاصةً في مواسم الحج والعمرة ورمضان، فإنك تجد بهرجة مكة تزداد زخرفاً وبهاءً بالباعة والبسطات والبرزات وحلقات العلم في المسجد الحرام.
وفي هذا الصدد استحضر هذا البيت
هناك أُذِّنَ للرحمان فانطلقت
صيحاتُ مكة بالقدسية الحرمِ
كنا نسمع الآذان خمس مرات في اليوم في سوق الليل كما نسمع أفواجاً يلهجون بالتكبير والتوحيد يخرجون صفوفاً وزرافات في اتجاه الحرم الشريف قادمين من بلادهم. إنها صورة تستدعي الماضي بأشواقه والحاضرُ بآلامه.
أشكر أمانة العاصمة المقدسة على هذا الإصدار الثمين كما أتوجه بالشكر والتقدير للكاتب الناشط / أحمد حميد الدين، والكاتب المبدع/ محمود صباغ، مع أمل الرجاء بالاستمرار والمتابعة والتنسيق في إخراج هذه المجلة في الصورة والشكل الذي نرمي لرؤيته مستقبلاً مع فتح المجال لأبناء مكة وزائريها للتعبير عما يجيش في نفوسهم تجاه هذه المدينة المقدسة، كما أود الإشارة ألا تكون هذه المجلة صورة مطابقة لمجلة الحج في بعدها الديني والتاريخي وأن تفتح المجال لعدد من المسؤولين والقيادات من أبناء هذه المدينة المقدسة في صورة مقابلات وتحقيقات حتى تبعد نوعياً عن بعض المجلات الدينية التي تشترك معها في الهدف وتختلف بالطبع في الإخراج.
أرجو الله أن يوفق القائمين على أمر هذه المدينة المقدسة في إبرازها في الصورة والشكل الذي نتمنى أن تكون عليه مستقبلاً.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *