مجلس الشورى وتحديد سن الزواج
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]شهوان بن عبد الرحمن الزهراني[/COLOR][/ALIGN]
ذكرت بعض الصحف أن مجلس الشورى بصدد دراسة وضع نظام يحدد سن الزواج لمنع زواج القصر. وبافتراض صحة الخبر ووجود توجه لدراسة هذا الموضوع ، إلا أنني أشك أن يتم الاتفاق على هذا الأمر بين أعضاء المجلس لأسباب كثيرة – من وجهة نظري – فالمسألة ليست بالسهولة التي يتصورها المطالبون بهذا النظام ، لأن المطالبين ينطلقون في مطالبتهم لا يساندهم دليل شرعي ولا تحقق معها المصلحة العامة بل أنها في أفضل التقديرات هي نتاج عاطفة – إذا أحسنا الظن بهؤلاء – وأنها جاءت من خلال حالة قد مروا بها تركت في نفوسهم هذه العاطفة فانساقوا وراءها مطالبين بوضع ها النظام دون النظر في آثار تحديد السن وما يترتب عليه من آثار سيئة وخطيرة، والعاطفة لم تكن يوماً من الأيام وحدها سبيلاً أو سبباً أو سنداً في تحريم حلال أو تحليل حرام . فهذه المطالبة قد يترتب عليها مفاسد جمة تكون نتائجها كبيرة على المجتمع عامة وعلى هذه الفئة خاصة. ولا يجوز شرعاً ولا عقلاً أن يتم معالجة الحالات الشاذة والنادرة بعلاج قد يتضرر منه الكافة ولو قلنا بمثل هذا لفسدت كثير من مناحي الحياة .
ولعل الأدلة الشرعية الطافحة التي تدل على مشروعية زواج الفتاة والشاب في سن صغيرة فضلاً عن ظروف وملابسات كل حالة فإنها تحول دون هذا التحديد فتجعل من دعوة المطالبين بالتحديد دعوة باطلة لا سند لها ولا قيمة ولا عبرة . وبيان ذلك على النحو التالي :
أولاً : ليس معهم أي دليل من كتاب أو سنة أو إجماع يحرم جواز الفتاة والشاب إذا وصل أحد منهم سن البلوغ وأنه لابد من بلوغ الشاب سن السادسة عشرة والفتاة الثامنة عشرة .
ثانياً : إن الأدلة في القرآن والسنة تدل على خلاف ذلك التحديد فالله يقول في محكم التنزيل : [ وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ . ] وهذا يدل بجلاء على أن زواج الفتاة قبل أن تحيض جائز شرعاً فبأي دليل يمنع زواجها . كما أن الرسول تزوج السيدة عائشة رضي الله عنها وعمرها سبع سنين ودخل بها وعمرها تسع سنين .
ثالثاً : ليس هناك نص شرعي يحدد سن الزواج والشارع حين ترك ذلك التحديد إنما كان لحكمة ، فحالات الناس وبيئاتهم تختلف اختلافاً كثيراً فترك كل حالة حسب الظروف الملابسة لها .
رابعاً : أن هذا التحديد معناه حرمان الفتاة من الزواج رغم أنها قد بلغت وكانت من ذوات الحيض وقد تكون رغبتها وفطرتها تدفعها إلى قبول الزواج وأنها في وضع صحي يسمح لها بذلك فبأي وجه حق وبأي دليل شرعي تحرم من حقها في الزواج . كما أن الشاب أيضاً يكون قد بلغ سن يحتاج فيه إلى الزواج ولديه كل مقومات الزواج فهل يعقل أن يكون هناك مانع يمنعه من هذا الحق الشرعي .
خامساً : أن نظام مجلس الشورى الصادر بالمرسوم الملكي رقم (أ/91) وتاريخ 27/8/1412هـ يمنعه من اتخاذ مثل هذا القرار لكون هذا الأمر يأتي مخالفاً لما نصت عليه المادة (الأولى) من نظام مجلس الشورى حيث جاء فيها :\” .. ينشأ مجلس الشورى ويمارس المهام المنوطة به وفقاً لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم ملتزماً بكتاب الله وسنة رسوله محافظاً على روابط الأخوة والتعاون على البر والتقوى . \” ونصت المادة الثانية : \” يقوم مجلس الشورى على الاعتصام بحبل الله ، والالتزام بمصادر التشريع الإسلامي ويحرص أعضاء المجلس على خدمة الصالح العام والحفاظ على وحدة الجماعة وكيان الدولة ومصالح الأمة . أما النظام الأساسي للحكم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (أ/90) في 27/8/1412هـ فنصت المادة السابعة منه : \” يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة.\” فهل تقييد سن الزواج بعد البلوغ يتفق مع الشريعة.
سادساً : أن العنوسة قد تفشت بين الفتيات والعوارض التي تحول دون سن الشباب كثيرة من الناحية المالية وغيرها فهل نزيد العبء بوجود مثل هذا النظام إنه أمر لا يتفق مع توجهات المخلصين في القضاء على العنوسة وتخفيف الأعباء على الراغبين في الزواج .
ومن خلال هذه المعطيات فإن تحديد سن الزواج لا يتفق وهذا النصوص الشرعية كما أنه يخالف النصوص النظامية فكلها تحول دون رغبة بعض أعضاء المجلس في تمرير هذه المطالبة في تحديد سن الزواج . وإذا كان هناك حالات شاذة حدثت من بعض الآباء الذين لم يدركوا حق الولاية والقوامة ولم يقوموا بها كما أوجبه الشرع عليهم ، وباعوا ضمائرهم في تزويج قاصرات لم يصلن إلى سن البلوغ من رجال بلغوا من العمر عتياً ، من أجل حفنة من الدراهم فإن ذلك لا يصل إلى المطالبة بتحديد سن الزواج ويحرم الكافة من حق شرعي ، وإذا كان هناك من جعل العلة في تحديد سن الزواج هو الفارق في العمر فإن هناك من قد يطالب بوجود نظام يقنن الحجم بين الزوج والزوجة فبعض الرجال حين تراهم مع زوجاتهم لا تصدق أن هذه هي الزوجة فحجمها من الضآلة والصغر بحيث تجزم أنها أصغر بناته ، فهل يمكن أن يطالب أحد بتحديد الحجم أيضاً بين الزوجة والزوجة . أيها المطالبون دعوا التنطع والتشدد والتزموا بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله.
اللهم لا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا إنك ولي ذلك والقادر عليه .
ص . ب 9299 جدة 21413
فاكس : 6537872
[email protected]
التصنيف: