متى تكون الحياة جنة ؟
أنا أكتب لكم الآن عبر وسيلة سهلة ، يسمونها اللاب توب !! الكتابة من خلاله غدت أكثر سهولة ، وبجوار هذا الجهاز يقبع هاتفي الذي أجوب به العالم في دقائق ، وتصلني أخباره – كذلك من خلاله – في دقائق ، وأمامي شاشة إل إي دي فائقة الجودة أرى من خلالها أكثر من ألف قناة ، وبالطبع لا مجال للمباهاة هنا ، فأنا على يقين أن منكم من لديه تقنيات وأجهزة أفضل مما أشرت لكم به ، ففي هذا الزمن غدت مسألة التفاخر بين الناس حسب ما يملكون من هذه التقنيات مبعث سخرية ، لم يعد هناك مجال لها ، فما تحاول أن تتباهى به اليوم يصل للناس ما هو أفضل منه في اليوم التالي ، لكن هذا ليس الموضوع ، الموضوع أن حياتنا اليوم غدت في منتهى السهولة ، والسبب طبعاً هو مثابرة وجهد أناس يقبعون في الطرف الآخر ، يفكرون ويجربون ويفشلون ويكررون وحينما ينجحون يضعون خلاصة نجاحاتهم تحت أقدامنا .. درجة أخرى نرتقي من خلالها لمرتقى آخر ولأسلوب حياة أخرى ، لكن السؤال المحرج هنا ، ماذا لو أن أولئك البشر لا يكترثون للحياة ولا يفكرون في تجديدها ؟ قابعون خاملون لا يزيحون حجراً عن حجر مثلنا ؟ هل ستصبح كل هذه الاختراعات بين أيدينا ؟ أعلم أن هذا السؤال لا يطرح للبحث عن إجابة ، لأن إجابته معقود في ناصيته ، إنهم يحبون الحياة ونحن نمقتها ، هم يستمتعون بعقولهم ونحن نعطلها ، بل إن فينا من يلعنها ويكفر من يستخدمها ،لذلك هم يبدعون ويبتكرون ويخططون وينجحون . غير أن المؤلم أن بعضنا لا زال يعتقد أن العلة تكمن في التعليم وحده ، متناسين ما نسكبه في أذهان أبنائنا من مفاهيم تجعل من الحياة مجرد وهم ، قارعة طريق موحشة ، لا تسوى جناح بعوضة ، وأنها خلقت لتكون جنة للكفار والملاحدة ، وجحيماً على المؤمنين الراجين لرضا الله تعالى وغفرانه ، فإن كانت هذه المفاهيم هي القاعدة التي نبني على أسسها بنيان الإنسان لدينا فأنى لتعليم بعد هذا سيسهم في دفعه للابتكار والتجديد ، مواضع كثيرة في النصوص القرآنية الكريمة والنبوية الشريفة تحثنا على السير في مناكب الأرض بالتدبر والتأمل والبحث والتقصي ، وأخرى على العمل والاعتماد على النفس ، لكن للأسف هناك من يحاول أن يجعل من الدين كهفاً للدروشة والانعزال ، يصبح فيه المؤمن منكفئاً على ذاته مديراً ظهره للحياة ، لدرجة أن أحدهم كتب ( متهكماً ) على تويتر تغريدة فيها معادلة رياضية مختومة بدعاء التعوذ من العلم الذي لا ينفع !! أرأيتم ؟ الرياضيات التي تشكل البنية الأساسية في ظهور الكثير من المخترعات المهمة للبشر والتي منها الجهاز الذي يغرد به يراها من العلم الذي لا ينفع ، سبحان الله !! مثل هذا الرجل في اعتقادي لو كان له سلطة سياسية على الخوارزمي في زمنه لربما دق عنقه وصلبه لأنه أشغل نفسه والناس بالعلم الذي يصفه جهلاً بأنه من العلم الذي لا ينفع .
خلاصة الحديث .. إن من يتأمل ما كتب عن أولئك النخبة من البشر الذين أسهموا في صنع منعطفات حادة في أنماط معيشة البشر منذ عهد تطويع النار وحتى اختراع النظارة الذكية ليدرك مدى تباين الظروف المحيطة بهم ، فالبيئات كانت مختلفة .. والأزمنة كانت مختلفة .. والأماكن كانت مختلفة .. حتى التنشئة والغايات والمعتقدات والأساليب كانت أيضاً مختلفة ، لكن الشيء الوحيد الذي كان يجمع فيما بينهم هو إيمانهم بقيمة الحياة ، فالذي لا يعير أي قيمة للحياة لا يمكنه أن ينجح فيها .
التصنيف:
