[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]

ما حدث في بورسعيد الأسبوع الماضي لم يبكي مصر فقط، وإنما تعاطفت معه شعوب العالم بأسره وهم يرون على شاشة التلفاز صور الضحايا والمصابين،وبغضَ النظر عن احتمالية وجود احتقان بين جماهير النادي الأهلي والنادي المصري قبل بداية المباراة وضعف دور الأمن في الملعب،فإن ماحدث يعتبر أمراً غير طبيعي ولا يمكن للعقل استيعابه.فالوفيات قاربت الثمانين إن لم تتجاوزها والإصابات حدث ولاحرج.
من أقدم على مجزرة بورسعيد ليسوا من أفراد الجيش أو نفر من الإرهابيين، وإنما هم مدنيون حاكوا في تصرفهم ظواهر الحرب الأهلية، فالعنف امتدَ من بورسعيد إلى القاهرة حيث أشعل البعض استاد القاهرة في مباراة الزمالك والاسماعيلي في نفس اليوم وانتشرت النيران في بعض ميادين القاهرة وشوارعها وأماكن أخرى مثل محيط وزارة الداخلية. سوء ونتائج هذه الأحداث وافقه سوء التوقيت حيث كان الشعب المصري يحتفل بذكرى ثورة 25 يناير قبل أيام معدودة من وقوع الأزمة التي أوقعت الحزن في أفراد الشعب وهم يرون إخوانهم يذهبون ضحايا في مباراة كروية وليس في موقعة حربية.
بعض المراقبين أرجع سبب هذا المشهد المؤسف والمحزن إلى التأثير القوي للوضع السياسي الحالي في مصر على الأنشطة الحياتية المختلفة بما فيها الرياضة، والبعض الآخر عزاه إلى نظرية المؤامرة حيث التخطيط لإجهاض الثورة المصرية من قبل جهات معينة وإدخال مصر في منزلق سياسي خطر كما يحدث الآن في بعض دول المنطقة.
ولكن ما ذنب الطفل أنس محي الدين صاحب الخمسة عشر عاماً عندما أصرَ على السفر من القاهرة لبورسعيد لحضور المباراة ومؤازرة ناديه الأهلي وكان يمني نفسه مشاهدة مباراة ممتعة ولكنه لم يكن يعلم أنَ نهاية حياته ستتزامن مع نهاية اللقاء. وما ذنب باقي الضحايا من جماهير الفريقين في تحويل المشهد من مباراة كرة قدم عادية إلى ساحة دموية تختلط فيها حسابات الرياضة مع السياسة، وما ذنب الملايين من المصريين خلف التلفاز كانوا يريدون مشاهدة 90 دقيقة من المتعة الكروية بعيداً عن السياسة وهمومها وتعقيدات الحياة فيصبحوا فجأة أمام أسوأ كارثة في تاريخ الكرة المصرية.
ومهما كانت التحليلات والاستنتاجات فإنَ ما حدث في ملعب بورسعيد لا يستقيم مع ما كان ينثره نجوم المستديرة من إبداعات على المستطيل الأخضر يؤازرهم ويشجعهم جمهور ذائقته الرياضية عالية جداً ويمثل ملح اللقاءات الكروية من خلال تشجيعه الفريد والمميز، وبالتالي فإنَ الكرة المصرية بأمجادها وتاريخها العريق لا تستحق أن تتحول ملاعبها إلى ميادين قتال وحمام دم لتصفية حسابات سياسية بل يجب أن تبقى المسافة بعيدة بين السياسة وبين الرياضة حتي تستطيع المسابقات الرياضية الحفاظ على حيوية الشارع المصري وبالأخص في هذه المرحلة الانتقالية.
أصلح الله شأن مصر وجعلها قوية بوحدة شعبها في هذه المرحلة الحرجة لكي تعبر المرحلة الانتقالية الحالية بأمان إلى دولة القانون والعدل والديمقراطية، فاستخدام الملاعب والتجمعات العامة للنزاعات وإشعال الميادين والشوارع قد يجعل لعبة الفوضى هي السائدة على الواقع،وتكون بمثابة العائق أمام تنفيذ التغيير المنشود. حفظ الله مصر من فتنة بعض أبنائها.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *