عرفت مدينة جدة التاريخية بحاراتها الأربع القديمة لفترة طويلة من الزمن محاطة بسور قديم بني منذ زمن الفرس, حيث أشارت بعض المصادر منهم الجواهر المعدة في فضائل جدة أن اول من قام ببناء ذلك السور هم الفرس بعد أن اسلم الصحابي الجليل سلمان الفارسي فأسلم قومه وانتقلوا الى الحجاز للعيش بها و لأن مهنتهم الرئيسية هي التجارة فقد استوطنوا مدينة جدة التي كانت عبارة عن قرية صغيرة في ذلك الوقت , فقاموا بتطوير المدينة وبناء سورها وبوابات للخروج والدخول اليها بالإضافة الى عدد من الأبراج لمراقبة وضع المدينة.
و في عهد الخليفة عثمان بن عفان عام 26 للهجرة أخذت مدينة جدة صفتها الرسمية كميناء رئيسي لمكة المكرمة بعد أن قام بزيارتها والمكوث بها. والجدير ذكره ان مدينة جدة سُكنت قديماً من قبل بعض صيادي الأسماك الذين كانوا يعتبرون جدة مركزا لانطلاقهم للبحر ومقصدا لراحتهم , ثم استوطنتها قبيلة قضاعة فسكنوها بعد انهيار سد مأرب عام 115 قبل الميلاد. ومما يدل على قدم المدينة و استيطانها من قبل الشعوب المذكورة هو بعض الشواهد اللتي تشير إلى وجود سكان اقدم منذ أيام العصور الحجرية إذ وجدت بعض الآثار والكتابات الثمودية في وادي بريمان شرقي جدة و وادي بويب شمال شرقي جدة. بالإضافة الى وجود مقبرة أم البشر أمنا حواء بها واللتي كانت تحتوي على ضريح كبير ينتصفه قبه يقال انه لأمنا حواء. وقد ذكر الأستاذ محمد صادق دياب يرحمه الله ذلك القبر بتفاصيل اكثر وقال لو صدق أن القبر لأمنا حواء فأن جدة تعتبر اقدم مدينة على وجة الأرض , مما يعني أن البشرية استوطنت جدة منذ ذلك العصر.
ومما يستنتج مما قد سبق ذكره هوا اقدمية هذه المدينة وتعاصر الشعوب و السكان علبها بعاداتهم وافكارهم وتقنياتهم و اساليبهم , ولذلك ليس من المستغرب ان تحتوي مدينة جدة القديمة على عدد من السراديب و الأقبيه (مفردها قبو) التي لم تعرف لدى البعض حتى الان. فقد أحتوت المدينة التاريخية على جميع الشواهد التاريخية سواءً كانت كمنشئات بها او لاستعمالها في حالة الخطر مثل: الخنادق , الصهاريج , الآبار , بوابات , السور , بعض الثكنات العسكريه القديمة , السراديب , الأقبيه. ويمكن تعريف السرداب على انه نفق او ممر تحت الأرض , اما القبو فهو بناء او غرفه تحت الأرض وهوا مايعرف في حاضرنا بالبدروم. وفي نظري أن السرداب و القبو كانا و مازالا موجودين في مدينة جدة التاريخية للحاجه اليهما عند وجود الخطر حيث ان المدينة مرت بعدد من المخاطر اللتي هددت امنها وتجارتها سواءاً كان بالهجوم عليها بحراً او براً , وقد تطرقت الى ما واجهت مدينة جدة من مخاطر قديمة قبل العهد السعودي بتفاصيل أدق في كتابي حارة البحر- موطن الآباء و الأجداد. فقد شهدت المدينة عدداً من المخاطر ادى الى تحصينها واستخدام بعض التقنيات لحماية اهلها , وفي اعتقادي ان السرداب والقبو كانا من ضمن تلك التقنيات القديمة. وقد يسأل البعض عن الدلائل التي تؤكد وجود السراديب و الأقبية في جدة القديمة ؟
فيما يخص السراديب فقد توصلت الى معلومة وجودها عن طريق عدد من ابناء ومخضرمي مدينة جدة الذين انتقل البعض منهم الى رحمة الله , وذلك عندما كنت مشغولاً بالبحث عن معلومات تفيدني في انجاز كتابي (كتاب حارة البحر) في ذلك الوقت , وكنت بصدد أن اوسع نطاق البحث عن هذه السراديب ولكنني لم استطع البحث و التوثيق عنها بسبب انتهاء اجازتي و عودتي الى مقر بعثتي الدراسية في بريطانيا. وقد ذُكر لي بأن هناك ممرات تحت المدينة التاريخية تأخذ المتجول بها الى داخل و خارج جدة القديمة , و غالباً مايكون مدخل السرداب من احد البيوت الواقعه بالقرب منه فهذا يعد أمراً منطقياً لاستعمال هذه السراديب في حالة الخطر فهوا يربط جدة داخل السور بخارجه لكي يستطيع ابناء المدينة التواصل مع العالم الخارجي واستقبال الموئن والأغذية في حالة حصار المدينة قديماً. ومما يؤكد هذه المعلومة هوا السرداب المكتشف حديثاً في بيت المتبولي في سوق العلوي , فقد اشارت جريدة عكاظ بتاريخ 10 رمضان 1435هـ انه بعد أن قام آل المتبولي بترميم بيتهم اكتشفوا سرداباً يودي الى خارج المنطقة التاريخية مما يؤكد معلومة انه كان للاستخدام في حالات الطوارئ. و في رأي ان السبب في عدم ظهور هذه المعلومة او معرفة البعض بها , ان تلك السراديب كانت معروفة لدى الأجداد كمعلومة سريه للغايه لمنعها من الانتشار بين الناس للمحافظة على امن المدينة في حالة الخطر وعدم معرفة العدو بها بالإضافة الى ابقاء دور السراديب فعال للاستخدام. وبعد ان من المولى على المدينة بتعمة الأمن على يد الملك عبدالعزيز كان اغلب طبقة الأجداد المحتفظين بهذا السر قد انتفلوا الى رحمة الله وتناقل البعض القليل منهم المعلومه للأجيال الحديثة حتى وصلتني هذه المعلومه و تم تأكيدها بعد اكتشاف السرداب الموجود في بيت المتبولي.
اما فيما يخص القبو , فقد عُرفت بعض بيوت المنطقة التاريخية بأحتوائها لها و ذلك لأستعمالها في التخزين او لعدة امور اخرى. ومما يذكره آل هداية انهم كانوا يستخدموا القبو الموجود في بيتهم في حارة اليمن لتخزين شقادف الجمال اللتي كانت تؤجر للجماله لغرض اركاب الحجاج و الزوار المغادرين الى مكة المكرمة او المدينة المنورة. ايضاً كانت الأقبيه تتواجد في المساجد التاريخية , فقد اسفر الترميم الحالي لمسجد المعمار في حارة المظلوم عن وجود قبو تاريخي يعتقد أنه كان للتخزين او اعتكاف المصلين به في شهر رمضان لما يشهده المسجد من اقبال هائل و خصوصاً انه يقع على سوق العلوي , بينما يذكر البعض ان ذلك القبو هوا المسجد القديم ومن ثم تم بناء ادوار علويه للمسجد ليصبح المسجد القديم على هيئة قبو. و قد اكد سعادة الأستاذ محمد طرابلسي في احدى امسيات جداويون المقامه في بيت جدة وايامنا الحلوة (بيت السلوم) بأن قبو مسجد المعمار معروف لدى ابناء جدة منذ القدم. وبالعودة الى العام 2015 , فقد تم الأنتهاء من ترميم مسجد الشافعي على نفقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله وقد تم الأكتشاف عن العديد من التحف و العملات النقديه اللتي تعود اعمارها الى مئات السنين لعدد من الدول مثل: العثمانيه , الروسيه و الامريكية. ومما هوا مهم هوا اكتشاف محراب قديم تحت محراب المسجد الحالي يعتقد انه لمسجد اقدم تحت المسجد الحالي. وفي اعتقادي ان ذلك المحراب هوا لقبو تحت مسجد الشافعي كان مخصصاً للمعتكفين من المصلين حيث انه يدل المصلين على اتجاه القبله.
تلك هي بعض المعلومات المتحصل عليها نتيجة البحث والتحري عن مدينة جدة التاريخية وعن ماكانت عليه المدينة سابقاً , وبالتأكيد ان المدينة مازالت تحتوي على معلومات وآثار لم يتم التوصل اليها. ولذلك اضم صوتي الى المهندس عبدالله بكر و سعادة الأستاذ محمد طرابلسي و اوجه رجائي وندائي الى ولاة الأمر وكل من له شأن في مدينة جدة ان تخصص هيئة عليا تهتم بالبحث و المحافظة على تاريخ هذه المدينة الفريدة في تاريخها. فلا توجد مدينة تاريخية حاليه مبنية من الأحجار البحرية سوا جدة التاريخية.
@Mr_Alnemerr

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *