ما قبل وما بعد تدويل قضية الأسرى
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. إبراهيم أبراش[/COLOR][/ALIGN]
أينما تضع يدك في الحالة الفلسطينية إلا اصطدمت بشكل من أشكال المعاناة، حتى يجوز القول إن كل حياة الفلسطينيين كرب ومعاناة، وإن كانت الجغرافيا والسياسة تفرق الفلسطينيين شيعا وأحزابا وكيانات سياسية، فإن المعاناة توحدهم واقعا، لا فرق بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الشتات.
فلسطينيو الخط الأخضر يعانون من التمييز العنصري ومنعهم من التعبير عن هويتهم وثقافتهم الوطنية ومنعهم من حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، ومحاولة إسرائيل أن تفرض عليهم العيش في دولة يهودية، وكانت آخر الإجراءات في هذا السياق فرض التجنيد الإجباري.
وفلسطينيو الضفة وغزة يعانون من الاستيطان، سرقة الأراضي، هدم وتجريف البيوت، تهويد القدس والحرم الإبراهيمي، منع الفلسطينيين من الوصول للأماكن المقدسة بحرية، الحواجز التي تحد من حرية الحركة، الاعتقالات والمداهمات اليومية، الحصار والاعتداءات المتكررة على قطاع غزة، الحد من حرية السفر والتنقل سواء بين أطراف الوطن الثلاثة أو إلى الخارج.
وفلسطينيو الشتات يعانون من الغربة وفراق الأهل والحنين للوطن.
وسط هذه المعاناة تبرز قضية الأسرى في سجون الاحتلال، وأن نتحدث عن الأسرى فإننا نتحدث عن الأشرف والأنبل في الشعب الفلسطيني بعد الشهداء، فلولا دماء الشهداء الطاهرة والممارسات النضالية للأسرى قبل الاعتقال ومعاناتهم بعد الأسر ما فرض الشعب الفلسطيني نفسه على العالم كشعب له قضية وطنية، ولولاهم ما طَبَقت سيرة الشعب الفلسطيني الآفاق كشعب مكافح ومناضل من أجل الحرية.
قضية الأسرى ليست كغيرها من قضايا الاعتقال السياسي في العالم، ذلك أن الكيان الصهيوني لا يعترف لهؤلاء الأسرى بحقوق باعتبارهم مناضلين من أجل الحرية، وبالتالي لا يطبق عليهم ما تنص عليه المواثيق الدولية حول معاملة أسرى الحروب والمواجهات المسلحة، بل تتعامل معهم كإرهابيين أو خارجين عن القانون.
توجه القيادة الفلسطينية لعرض قضية الأسرى على الأمم المتحدة أو تدويلها، خطوة مهمة ولا شك وإن كانت متأخرة، ولكن نتمنى قبل الذهاب للأمم المتحدة أن تكون قضية الأسرى محل توافق كل القوى السياسية، حتى لا يؤثر الانقسام على مجرى تدويل القضية، وحتى لا يجري مع قضية الأسرى ما جرى حول تقرير جولدستون وغيره، وحتى لا تصبح قضية الأسرى محل توظيف سياسي من طرف الأحزاب كما يجري في بعض خيم الاعتصام التضامني مع الأسرى، وكما جرى مع قضية الأسرى المحررين.
أيضا نأمل وجود استراتيجية للتعامل مع القضية دوليا بحيث لا يتوقف الجهد الفلسطيني عند عرض القضية على الجهات الدولية ذات الشأن، بل يجب أن تتضمن الاستراتيجية آلية عمل ما بعد صدور قرار بهذا الشأن. ولدينا سوابق مؤسفة على ارتجالية التعامل الفلسطيني مع الشرعية الدولية.
نقول، نعم لعرض قضية الأسرى ولكن وحتى لا يكون قرار التوجه للأمم المتحدة نوعا من رفع العتب أو لمواجهة غضبة الشارع، يجب التعامل بعقلانية ووضع استراتيجية متكاملة حول الموضوع تبدأ بالاتفاق فلسطينيا على الذهاب للمنتظم الدولي وعلى مجمل الخطوات اللاحقة، سواء فيما يتعلق بالجهة التي ستُعرض عليها القضية، أو صيغة القرار وتحديد المطلوب بدقة من المنتظم الدولي، والأهم كيفية التصرف ما بعد صدور القرار، حتى لا يُضاف القرار إلى عشرات القرارات والتوصيات حول القضية الفلسطينية التي بقيت حبرا على ورق.
التصنيف: