[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبدالرحمن آل فرحان[/COLOR][/ALIGN]

أبداً .. إنها لا تؤذي مشاعرك أو تجعلك تشعر بالبشاعة، فقط تبين لك ما لا تود سماعه من جارك أو زميلك أو أي شخص آخر .. إن رأتك قبيحاً قالت لك ذلك بكل صراحة دونما أن يترك قولها ألماً على نفسك ، إنها المرآة .. تلك التي تخترق كل الحواجز لتقول لك ما يجب دونما مجاملة ، هذه الأداة اخترعها الإنسان منذ الأزل لتكشف له عيوبه الجسدية دونما حرج .. اخترعها لتبرز له مكامن الخلل في سحنته وخلقته وهو في صومعة خصوصيته المطلقة .. ولا تفارقه البتة .. حاضرة أمامه في كل مكان ، فما الذي يجعله يتقبلها وهي الفاضحة لعيوبه بكل فظاظة ؟ أظنه صمتها .. فصفاقتها وجرأتها على النقد يحدث في صمت وسكون شديدين .. لا تتحدث لا بصوت منخفض ولا بصوت مرتفع .. فهي لا تنطق بأن عينك محاطة بالرمد مثلاً .. أو أن أسنانك مخرمة وصفراء ، أو أن الزمن بدأ يحفر تجاعيده على وجهك ، نعم هي تقول كل ذلك .. لكن بصمت ، وهذا ما جعلها مألوفة لنا حتى غدت رفيقتنا الدائمة .. في غرفة النوم .. في السيارة .. حتى في الحمام .
لكن ماذا لو خرجت تلك الأداة عن صمتها وأصبحت تنطق بالحقيقة ؟ مصيبة .. لو حدث هذا الأمر فأكاد أجزم لحظتها أنه لن يبق على وجه الأرض مرآة واحدة ، سيما إن كانت فوق ذلك قادرة على سبر أغوارنا الوجدانية ، وقادرة على قراءة أفكارنا وأسرارنا وخفايا ماضينا وما نكنه حقيقة تجاه من يعتقدون أننا أصدقاؤهم الأوفياء . هل تخيلتم هذا ؟ مرآة ناطقة في أيدي جميع الناس !! لا أعتقد أن أحداً سيستخدمها لغرض اكتشاف عيوبه الكامنة في أخلاقه وعيوبه السلوكية الخافية عن الناس ، لأنه يعرفها حق المعرفة ، بل سيستخدمها لتفحص الآخرين ، الفتاة تستخدمها في معرفة حقيقة الشاب الذي يتقدم لخطبتها ، والقاضي يسبر بها المتخاصمين أمامه ،والحاكم يختبر بها أمانة وزرائه والمحيطين به ، وهكذا حتى لا يكاد الواحد منا يجد بيتاً أو شارعاً أو سوقاً أو شبراً في السماء أو الأرض إلا وتلك المرآة قابعة أمامه ترتل على مسامعه ومسامع الناس حوله كل ما لا يود سماعه عن نفسه .. يا الله حتى تخيل هذا الشيء يشعرنا بالرهبة .. إذا كان بعضنا لا يحتمل صوت تأنيب الضمير في داخله ، فما بالكم لو كان ذلك أمام نفسه وأمام الناس وعلى الهواء مباشرة وعلى شاشات الفضائيات . أتدرون .. لنخرج من هذه الخيالات المفزعة ولنتذكر جميعاً ونحن نقف أمام مرآة بيوتنا الصامتة أن نعمة الستر نعمة عظيمة تستوجب منا الشكر والحمد لله عليها ، وألا ننسى ونحن في غمرة فرحنا بسكوت هذه المرآة أن ثمة مرآة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة لا زالت تتربص بنا .
twitter: @ad_alshihri

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *