ماذا تقول (باميلا ترافيرس) عن شوارعنا ؟

• عبدالرحمن آل فرحان

زرت الرياض قبل نحو ثلاثة شهور وتحديداً أيام معرض الكتاب فقررت ألا استأجر سيارة مطلقاً ، مكتفياً بسيارات الأجرة عند ذهابي للمعرض وعند عودتي أو عندما أعود للمطار ، ولأني بلا سيارة فقد تعمدت أن أقيم في فندق قريب من الأسواق بحيث أذهب إليها على أقدامي مشياً ، وهذا بالفعل ما حصل ، وحينما بدأت أمشي على أرصفة الشوارع القريبة من الفندق أدركت كم كان الفيلسوف الألماني نيتشه مصيباً حان قال ” كل الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي ” وأهم فكرة عظيمة خرجت بها أنه من غير الممكن تلمس جمال المدن من خلف زجاج السيارة ، لقد مشيت ومشيت حتى قطعت مسافات طويلة دونما أن أشعر، وللتوضيح.. لم يكن لي أي مقصدٍ محددٍ من كل هذا المشي ، فقط أردت أن أمشي وحسب ، غير أن ما لفت نظري وأنا على هذا النحو من هيستيريا المشي ؛ قلة السعوديين المشائين على أقدامهم ، اللهم لحظة نزول أحدهم من السيارة للمتجر والعكس ، أقول هذا وأنا على يقين بأني لو لم أقرر عدم استخدام السيارة في هذه الرحلة الخاطفة لما مشيت خطوة واحدة ، ولما اكتشفت هذا الشيء المشترك بيننا كسعوديين ! هل هو العيب ؟ أم الكسل ؟ أم يعود السبب لمناخنا الصحراوي؟ مع العلم أن الأجواء في ذلك الوقت كانت في غاية الروعة والاعتدال! لكن يبدو أننا لسنا أصحاب التفرد في هذا الأمر! فقد سبقنا لهذه الثقافة المجتمع الأمريكي إبان طفرتهم الاقتصادية منتصف القرن الماضي ، والذي أشارت له الروائية الأسترالية “باميلا ترافيرس” ضمنياً في مذكراتها، فحينما سافرت إلي لوس أنجلس عام 1961م لأول مرة لاحظ عليها السائق الذي كانت برفقته أنها كانت تكثر من النظر للشوارع والطرقات عبر نافذة السيارة، فظن أن ذلك من فرط إعجابها بتلك الشوارع فقال لها بشيء من التباهي : يبدو أن شوارع أمريكا قد نالت شرف رضاك يا سيدتي؟ فقالت : “لا أظن ذلك !! فالشوارع التي تخلو من الناس ليس بمقدورنا استشعار رضاها وسخطها”. والسبب أنها لم تر الإنسان ، النبض الحقيقي لكل جمال على الأرض ، والمصدر الوحيد للأنس والمؤانسة..ولا يمكن لومها!! فهي معتادة على لندن ! حيث ضجيج المجتمع وجلبة الأطفال واختلاط أصوات العابرين مع هدير الباعة والمتجولين !! ولكأنما أرادت أن تقول لسائقها في ذلك النهار.. أي قيمة لأرصفة مزدانة بالمصابيح الأنيقة وليس لأقدام الناس وقع على أديمها؟ وأي قيمة لأشجار الأكاسيا واللوز والزيزفون المتناثرة حول الشوارع والميادين بلا ظلالٍ متحابية على قصص العشاق وحكايا الأصدقاء حولها ؟ فالمدن بشوارعها وطرقاتها وحاراتها وأزقتها ستظل أوعية فارغة جوفاء يسكنها الخوف وتملأها الوحشة ما بقيت هكذا معزولة عن الناس. ولا أظن مدينة الرياض أو أي مدينة أخرى في السعودية راضية أبداً عن هذه القطيعة القائمة بين سكانها الأصليين وبين شوارعها، فالإنسان هو نبض المدينة وهو نفسها وروحها ؛ فإذا ما اختار العزلة عن شوارعها وأزقتها بحبس نفسه داخل زنزانته الحديدية ذات العجلات الأربع فكأنما يشارك في اغتيال هويتها ولغتها لصالح أقوام ليسوا منها ولا هي منهم ، إنها دعوة لكل سعودي أن يجعل من السير في الشوارع القريبة منه عادة ، منها رياضة للبدن.. ومنها إحياء لنبض المدن.

 

@ad_alshihri
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *