[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]إبراهيم عبد الواحد زقزوق[/COLOR][/ALIGN]

ماتت \”صباح\” بعد أن أمضت في الحياة تسعة عشر عاماً احبت الفصل والدرس كثيرا. وأنست نفسها إليهما وساعدها في ذلك اعجاب اساتذتها بها وتفوقها الدائم علي زميلاتها. ولكن هذا كله لم يستطع ان يمحو الارتباك والخجل محوا تاماً .. فإنها مازالت خجلة منزوية إلى حد كبير وبخاصة في خارج الفصل وحتى وهي في الفصل ومع اشد المعلمين حبّاً لها وإعجاباً بها لم تكن تتحرر من الخجل .. فلم تكن تستطيع ان ترفع اصبعها لتطلب شيئا مهما كانت في حاجة اليه – كما تفعل بقية الطالبات اللاتي لا يحظين من معلميهن بمثل هذه الرعاية.
وفي أوقات الفراغ تجلس في مكان منزوٍ بعيد وأما في المنزل. حيث تكون في بيئتها التي تعرفها وتأنس بها فإنها شعلة من الحركة والحياة وكأنها تعوض – ما تكتبه في نفسها طيلة النهار..
وفي ذلك اليوم الموعود .. كانت \”صباح\” في الجامعة وزميلاتها.. منتظمات في الفصل الدراسي . وجاءت الدكتورة وألقت محاضرتها على الطالبات وانتهت وجاء موعد العودة الى مكة المكرمة . واذا بابنة عمها \”مريم\” تحضر اليها وتطلب منها الركوب معها في سيارتها ليعودا سويا الى منزلهما في مكة المكرمة فلم تستطيع ان تفكر أو تنبس بكلمة واحدة انه القدر. فوقع الحادث المروع . وماتت صباح بعد معاناة ساعات اثر الحادث.
إنني احسست بالظلام يغمر نفسي وبأنه لا صلة هناك تربطني بهذا العالم ومن فيه من هول المفاجأة والخبر السيئ .. فذهبت بعد أن عدت الى حالتي الطبيعية الى منزل ابيها لأتبين الخبر .. وعدت الى بيتي وذهبت فوراً الى غرفتي وارتخيت في فراشي ودفنت وجهي في الوسادة وطفقت أبكي .
إنني أدري لماذا ابكي، لأنها تربطني بهذه البنت صلة رحم قوية وبأبيها وجدها وجدتها – ولكنني لأول مرة احسست أنني غريب في بيتي من شدة ما أنا فيه.
أحسست أن غشاوة سوداء قد ألقيت على نفسي، إن الانسان نبتة حائرة في هذا الوجود فهل ترى هذه النبتة التي نقلت من تربتها واجتثت جذورها تستطيع ان تنبت مرة أخرى.. نعم ستنبت مرة اخرى في يوم القيامة ان شاء الله.
اللهم اجعل اباها وامها يحتملان المصاب الجلل وجميع ذويها.. يارب أسكنها فسيح جناتك بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين..
يارب إنها زهرة فاشملها يارب بعفوك ورضاك يارب. اهدِ والديها الى نسيان المصاب الجلل، هذه الحياة لم تدم لأحد قبلنا.. ولو كانت دامت للذين قبلنا لما جاءت لنا .. ولن تدوم لأحد بعدنا.
هذا هو دعائي يارب .. فاقبله مني .. يارب .
وعليك سلام الله يا حفيدتي صباح تركي باشراحيل..
مكة المكرمة

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *