ليالي الأنس.. والأوف والميجانا
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي محمد الحسون[/COLOR][/ALIGN]
* هذه \”فيينا\” المدينة التي صورها لنا كتاب الرحلات بالمدينة الهادئة والقادرة على صنع الجمال.. والموسيقى التي تتغلغل في مسام أرضها.. مدينة ناعسة على نهر الدانوب.. شديدة برودة الطقس.. تلك البرودة التي تجعلك تشعر بالحياة رغم قسوة تلك الريح التي تتخلل فتحات أنفك.. وتلسع أطراف أذنيك.. فتشعر بلذة وأنت تفركها. هذه المدينة.. التي.. تأتيك من خلف غمام التاريخ مدينة مفعمة بكل ما هو باهر.. ومبهر..
على أحد أرصفتها.. كان ذلك الرجل ممسكا بآلة الكمان.. يعزف جزءاً من سيفونية \”لبيتهوفن\” حوله التف بعض \”الحالمين\” يستمعون إليه في إعجاب.. فتتساقط في ذلك الإناء الموضوع أمامه بعض من النقود.. في هدوء.. لا تسمع صوتاً مرتفعاً قد يزعجك كأن الناس هناك نسوا \”ألسنتهم\” في منازلهم أو بلعوها في لحظة رضا منهم.
تساقط أوراق الشجر.. أعطى للمدينة انطباعاً بأنها تعيش حالة تقشف.. وأنها تشكو جبروت هذا الجنرال \”ثلج\” الذي نتف كل اخضرار فيها.. فحولها إلى حالة قاسية من الشعور بالعراء.. ولكن نفوس أهلها عامرة بكل السماحة.. والطيبة وأناس يعطونك انطباعاً بأنك منهم وأنهم منك.. لا ينفرون منك.. ولا تشعر في داخلك بالرغبة في النفور منهم وذلك جمال الحياة. ألم يقولوا ليالي الأنس في \”فيينا\”.
الأوف والميجانا
في ذلك الزمان أو الماضي عندما كان لبنان \”منتجعاً\” عربياً يجد تحت ظلاله ـ المتعبون ـ من العرب الفيء المريح.. وعلى شواطئ بحره يبنون بيوتاً تمثل حلماً جميلاً.. تكسرها.. موجة غاضبة في لحظة.. ومن على جباله يرددون صدى الميجانا.. و\”الأوف\” وعلى مسارحه يتابعون \”دبكة\” ذلك الفنان الواقف خلف \”شاربه الكَثّ\” وهو يتلوى بجسمه النحيل.. وهو يصرخ بأعلى صوته \”أخ يا بلدنا\” كان حسن علاء الدين \”شوشو\” على مسرحه ذلك يقدم وصفة يومية لحالة \”بلده\” في وسط بيروت فيردد صداه بائع \”الفلافل\” في ساحة البرج.. أو تضيع صرخاته في تضاعيف ضحكات أولئك الذين سرقهم \”الزمان\” في غفلة منهم.. وعلى مقاهيه المنتشرة في زوايا شوارعه وزواربيه المليئة بكل صخب الحياة يتهامس أولئك الهاربون من سطوة أنظمتهم الجالسون في مقهى البكدلي في الحمراء.. عن أحوال بلدانهم.. وأخبار أنظمتهم فيعرفون أدق التفاصيل وبشكل أوضح قبل أن يعرفها أحد غيرهم، ومن تحت عرائش \”بساتينه\” يجدون راحتهم وهدوءهم.. لبنان بكل هذا الزخم المسكون في عيون صباياه.. وفي حركة شبابه وهم يمارسون دبكتهم.. وبذلك الوهج الذي كان يشع من على الأطراف ومن بين شجر الأرز بدأ يتحسس حاضره بقليل من الهدوء وبكثير من التصميم، ذلك التصميم الذي وضح في هذا الإصرار على البناء.. وعلى ارتفاع ذلك الصرح اللبناني الذي كان دائماً هو الفنار العربي الأصيل.
فهل يخرج من عنق الزجاجة وتعود إليه بهجته وتنزاح تلك الطبقة الرمادية من على وجهه الصبوح، ونرى حكومته العتية ليكون أكثر قوة أمام هذا التحدي الذي يمارسه العدو ليل نهار.
التصنيف: