لننقذ أسرنا من براثن العولمة

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]وائل علي البتيري[/COLOR][/ALIGN]

قبل آلاف السنين؛ كان آدمُ وحواء يضعان اللبنة الأولى لبناء صرح أول أسرة في التاريخ البشريِّ على الإطلاق، ومنذ ذلك الحين والمجتمع الإنساني يعاني صراع البقاء والفناء.. ويتعرّضُ لمؤثرات داخلية وخارجية تصيب البناء الأسري الباسق الجميل بشروخ وجروح.المجتمعات البشرية إنما هي في حقيقتها أسرٌ كبيرةٌ ينضوي تحت لوائها ذاك الكمُّ الهائلُ من الأُسر الصغيرةِ التي تتشكّلُ من مجموعةِ أفراد فاعلينَ.. لذلك؛ فإن الثقافاتِ المختلفةَ توجِّه سهامَ أفكارها إلى هذا المجتمع الصغير (أي الأسرة) إذ به يكونُ عَمارُ المجتمع الكبيرِ أو دمارُه.
لقد كان لثورةِ الاتصالات الحديثةِ التي تدفّقت بسيول العولمة الثقافية أثر كبير في اجتياح عقول أُسَرنا العربية الإسلامية، حيث اقتحمت الشبكة العنكبوتية بيوتنا دون استئذان، وعلى أسطح هذه البيوت رُفعت الصحونُ البيضاءُ والسوداءُ التي تبثُّ الغثَّ والسمينَ من القنواتِ الفضائية التي تتوالدُ بسرعة هائلة، وتعرض ما هبّ ودبّ من سلوكات وعادات أجنبية طارئة على مجتمعاتِنا، وأفكار وتصورات غريبة عن معتقداتِنا، لم نكن نتصوّر يوماً أن تدهمَنا بهذه الطريقة الفجّة!
لقد أسقطَت هذه العولمةُ كلَّ الحواجزِ بين بقاعِ الأرضِ على امتدادِها الواسعِ، وجعلَتْ من العالَم قريةً صغيرةً تختلطُ فيها السُلوكاتُ والأنماط والأفكار المتنافرة.
ولم تكتفِ العولمةُ بأن تحاصرَنا وتفرضَ علينا طوقاً فحَسب، ولكنّها اخترقت حصونَنا من الداخلِ، حتى بِتنا نرى علامات التأثّر بها ماثلةً للعيانِ على نسبة كبيرة من أُسَرِنا، وأثّرت بشكل مباشر على البناءِ الثقافيِّ والقِيَميِّ للمجتمع.
أمام هذه التيارات العاتيةِ من الأمواجِ الثقافية والاجتماعية المتلاطمة، وحتى لا يتحلّلَ المجتمع وتتبدّدَ هوّيتُه، ولأنّ الأسرةَ هي العمادُ الرئيسُ لهذا المجتمع؛ كان لا بدّ من وجودِ مَن يدقُّ ناقوسَ الخطرِ، ليبنيَ سدّاً منيعاً يفتحُ طاقةً صغيرةً تسمحُ بالدخولِ إلى حصنِ الأسرةِ المتماسكِ لكلّ ما يزيدُ من تماسُكها من الثقافاتِ الأخرى، ويرصدُ أبوابَه بالأقفالِ أمام كلّ ما يعملُ على تقويضِ هذا الحصنِ وهدمِه.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *