[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد أحمد عسيري[/COLOR][/ALIGN]

قد يبدو من خلال العنوان أني أدعو لمحاربة الفضيلة التي تربينا عليها، وهذا الأمر قد يؤلب الكثير من أصحاب القلوب الضعيفة للتشبث بحبال الكذب التي ازدادت طولا في هذا الزمن، أو لتبني ألوانا غير الأبيض لطلي (أُكذوباتهم) المدللة.
ما الضير في الكذب، أو لنتلاعب بالكلمات حتى نجملها بعض الشيء .. ما الفائدة من التحلي بفضيلة أصبحت من صفات الزمن الجميل نترحم عليها مرارا كلما تذكرناها أو سمعنا واعظا يُدبج بها خطبه.
في زمن المتقين يموت الصدق في قلب صاحبه لأنه في نظر (العولمة) أسلوب رجعي يعود بنا لآلاف السنين الغابرة، لذلك من الأفضل أن يبقى حبيس قلوب الدراويش.
الذين يكذبون اليوم ويصرون على تحري الكذب طالوا المناصب العالية بينما الكفاءات المدفونة مازالت تحمل الملفات الخضراء كل صباح حتى أُنهكت أقدامهم، ونحتت الشمس أدمغتهم، ومضت سنواتهم لأن البند لا يسمح ولعدم وجود شاغر .. ولأن الكفاءات المهاجرة لم تشبع بعد ومن المعيب أن نقول لهم ابن البلد أولى.
الذين يكذبون اكتظت خزائنهم بأرقام تحير العقول، فأنشأوا للناس مشاريع من سراب وجسورا من زيف، وأسكنوهم بطون الأودية، والنتيجة أنهم صُدقوا واتُهم المطر لأنه لم يخبرنا بموعد قدومه، وحُوسب الغريق الذي فرح ببيت يُؤويه لأنه كان يرقد بأمان مع أطفاله في المكان الخطأ، ومدننا التي مازالت تسقط لمجرد أننا صدقنا كذبة مفادها .. (كل شيء تمام التمام وملياراتنا كذا).
أما الذين يصدقون الذين يكذبون عليهم فهم لا يجدون أسرة لمرضاهم وإن وجدوا فإنهم ميتون ميتون بخطأ طبي تافه والسبب أساسه كذبة الطبيب الذي جاء بشهادة مزورة فأحرجوه بدخول غرفة العمليات لتدون هذه الكذبة تحت بند الأخطاء الطبية.
الذين يكذبون ويرفعون أسعار مواد المستهلك المسكين يربحون كثيرا لأن الرقيب يصدق كذبتهم البيضاء، ويواسيهم، وينعت المسكين بأنه لا يعي ثقافة الشراء.
الذين يكذبون تُفتح أمامهم السبل، وتزال العقبات، ويشار لهم بكلتا اليدين، وتصفق لهم الحشود لأنهم مقنعون ومفوهون .. والغريب في الحكاية أن الكل يعلم أنهم يكذبون!
سؤال بريء لا يستدعي الغضب- كفانا الله شره – لأنه لا يتجاوز حدود البراءة .. من أصّل لتفشي الكذب حتى أصبحنا لا نرضى إلا عندما (نُستغفل) ويمر الوهم من تحت أقدامنا ولا نكتشف الكذبة حتى في الوقت الضائع أو في نهاية (الحدوتة) كما في الأفلام العربية .. هل تعودنا على صور الكذب في حياتنا؟
إذن دعونا نكذب.
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *