[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي خالد الغامدي[/COLOR][/ALIGN]

الحكاية الأولى

مساء ذهبت مع زميل لي يعمل في جريدة نائية إلى حفل شاي بمناسبة تخريج دفعة جديدة من طلبة المعهد الصحي بجدة..
بعد تسليم الشهادات انتقل الجميع إلى \”موائد الشاي\” الحافلة بأنواع الكيك، والجاتوهات، وصحون الفستق، والبندق، وأكواب الشاي، والقهوة..
زميلي كان صاحب تجربة سابقة في هذه المناسبات لذلك ناداني بما يشبه الهمس أن \”أهبش\” من صحون الفستق ما أستطيع، وبدأ هو بالعمل كي أفعل مثله فقلت له: هل تريدني أن أسرق صحون الفستق؟ ابتسم وقال: لا تُسَمِّهَا سرقة، إننا نحتاج لهذا الفستق، وهنا كثير منه ببلاش فلماذا لا نأخذ نصيبنا منه.
قلت له إنني إذا أكلت الفستق بهذه الكمية فإنه سيسد نفسي عن العشاء فضحك في وجهي – مقدرا تجربتي الأولى، وقال دون ان يتوقف عن الضحك – إن للفستق أغراضا أخرى ليس العشاء من بينها..؟
ثم نظر الى جيبي الأيسر ووجد نصفه قد امتلأ بالفستق المنهوب من مائدة حفل التخرج، وبعد أن اطمأن على نجاح الخطوة الأولى ربت على كتفي مشجعاً وهو يتمتم بكلمات لم تصل مسامعي لكنني عرفت منه أنها تحمل عتاباً لأن المفروض أن اضع الفستق في جيبي الايمن، وليس الأيسر على أساس أن نزول الفستق للجانب الأيمن اسهل، وأيسر، واسرع من نزوله للجانب الايسر \” وهو ما بدا واضحاً في نقص حبات الفستق التي هبشتها من الصحون مقارنة بحبات الفستق التي هبشها هو\”..؟
كان الفستق في هذا الوقت من عام 1388 هـ – عزيز الجانب – يدخل بيوت الاغنياء دون بيوت الفقراء بحيث تكون أمنية الفقير أن يقتنيه مرة واحدة في العام، وظل – عزيز الجانب – الى مطلع العام 1400 هـ حين بدأت – دولته – في السقوط تدريجيا حتى اصبح يباع – على الأرصفة – ولا يجد من يهتم به، أو يشتاق إليه كما كان الأمر في البداية..!
الحكاية الثانية
صعدت الى غرفة الوزير في الفندق فاستقبلني ببرود .. كنت حريصا على معرفة التفاصيل الخاصة بمؤتمر وزراء مالية الدول الإسلامية حيث لا يوجد ناطق رسمي يتحدث بعد نهاية الاجتماع، ويتم الاكتفاء بإصدار البيان الختامي..
لاحظت وأنا أتقدم للوزير كأنني أمشي على \”قشر من الفستق\”..
احترم الوزير – جرأتي – ورد على كل الاسئلة التي طرحتها عليه فقد كان مشهورا عنه الصراحة، والجرأة، وكان مميزا بين مجموعته الوزارية.
شكرته على سعة صدره، وهبطت من الدرج، وانطلقت لمكتبي في الجريدة، وأرسلت الموضوع الذي نشر بارزاً على الصفحة الاولى.
في المساء اجتمع الاصدقاء في المقهى وكان بينهم صديق يعمل في المجال الدبلوماسي فملت اهمس في أذنه: لقد زرت اليوم معالي الوزير في مقر إقامته لكنني لاحظت أن أرض الغرفة بها كثير من قشر الفستق فهل كان عشاء الوزراء فستقاً ..؟
مال صديقي نحو أذني وهو يضحك: كلما رسخت اقدامك في بلاط صاحبة الجلالة ستعرف أن للفستق اغراضا اخرى \”ليس بينها وجبة العشاء حتى لو حوله الفقراء الى وجبة عشاء\” جهلا بالفستق الذي يعرف قيمته الحقيقية الاغنياء \”والدليل انه حين اصبح في متناول الفقراء ضاعت هيبته، وتراجعت قيمته\”.. وكان لدى الفقراء منافس شعبي للفستق هو \”اللوز السوداني\” الذي لم يصعد، ولم يهبط، واستمر على حاله للآن..!
الحكاية الثالثة

طلب مني صديقي \”وهو من الوسط الصحفي\” أن أركب سيارتي، وأذهب فوراً الى \”سجن الرويس\” لإطلاق سراح زميل لنا موقوف هناك لأمر بسيط. سألته بسرعة: هل \”ضرب\” زميلنا أحداً بحكم طوله الفارع، وقوته البدنية الواضحة فقال لي: ان شيئا من هذا القبيل قد حدث..
انطلقت إلى سجن الرويس، وهناك التقيت بمأمور السجن، وقدمت له \”ورقة الكفالة\”..
وقبل ان يحضر زميلنا الموقوف قال لي مأمور السجن:
حاولوا ان تنصحوا زميلكم بالتخفيف من \”تناول القهوة\” لمصلحته، ولأنه بالفعل شخص مهذب، وبعدها بلحظات اقبل زميلنا، ووضعت يدي في يده، وغادرنا السجن \”هو إلى بيته، وأنا لمقر عملي في الجريدة\”..
في الطريق رويت له نصيحة مأمور السجن فخرجت من صدره ضحكة عالية لم أفهم معناها الى ان شرح لي الموضوع فضحكنا معاً..؟
ما لم أفهمه هو لماذا حرص صديقي على \”سرية المهمة\”.. ولم يقل لي السبب: هل كان يخشى أن أرفض، أم أنه بالفعل كان صادقا في تسميتها بالمهمة البسيطة التي لا تحتاج إلى شرح، وتوضيح، وتوصيف خاصة ان زميلنا هذا يعتبر بيننا الأكثر استقامة، والتزاما..؟
وهو – بناءً على ذلك – لا يريد لهذه الصورة ان تهتز عندي، او عند غيري بسبب هذه الحادثة العابرة فعادة الصحفيين ألا يسكتوا على شيء من هذا القبيل إذا دخل الأوراق الرسمية..؟
بعد سنوات قليلة استعدت كل هذه الصور فوجدت نفسي مطالبا بتقديم الشكر لصديقي مرتين: مرة لأنه كشف لي هذا الجانب الانساني الذي لا نكتشفه إلا في هذه المواقف، ومرة لأنه أكمل لدي \”مثلث الفستق\” الذي صادفني في بداية مشواري الصحفي حينما كان الفستق \”عزيزاً\” إلى ان اصبح في متناول الجميع، وتحت انظارهم، ولم يعد احد من الصحفيين في حاجة إلى أن \”يهبش منه هبشات\” إذا رآه ضمن موائد العشاء، أو في حفلات الاغنياء..!

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *