كتبت قبل زمن مقالة بعنوان “الأمين.. علامة فارقة” تحدَّثت فيها عن أهمية التجديد والإبداع في مجال العمل البلدي، ذلك المجال الذي اعتاد الناس فيه ألا تتجاوز آمالهم من المسؤولين عنه الحدود التقليدية من الأداء ورجاء حسنه. وأحسب أن ذلك الأمل المحدود أصبح مسيطراً حتى على بعض العاملين في مجال العمل البلدي الذي ظل “المأكول.. المذموم” على مدى عقود، وربما سيظل! وأحسب أن الكثيرين قبل زمن كانوا يتساءلون عن مدى إمكانية التجديد واحتماليَّة الإبداع في مجال واضح الحدود، محدود التطلُّعات حتى حين.
كانت تجربة أمانة منطقة الرياض، التي ابتدأها سمو الأمين عبد العزيز بن عيَّاف، في مجال التجديد في مجالات العمل البلدي نقلة نوعيَّةً ربما تجاوزت توقُّعات بعض المنظِّرين المطَّلعين على تجارب عالمية في النظرة المختلفة لتنمية المدن وللعمل البلدي. وتجاوز تأثير تلك التجربة الرياض إلى مناطق عديدة في المملكة بأشكال تفاوتت مابين الاستيعاب العميق والتقليد العفوي. والمثير أن الجديد الذي قدَّمته التجربة للمواطن والمدينة لم يكن على حساب متطلَّبات العمل البلدي التقليديَّة. والمثير أيضاً أن ذلك الجديد رفع مستوى الوعي لدى المواطن ليفسح مجالاً أوسع لتطلعاته ورغباته من مدينته والجهات المسؤولة عنها.
الإنسان، ذلك العامل الأهم في معادلة التنمية، أصبح محط الاهتمام. وصارت “أنسنة” المدينة لتحقِّق تعاملاً معه أكثر رقيَّاً هي أحد الأهداف التي لم تكن على قائمة الأمانة. وأصبح رسم الرضا وتوسعة دائرة الفرح من الواجبات التي بها اتخذت المدينة منحنىً تنمويَّا جديداً معياره الأساسي “الإنسان”. وهكذا اتسعت المساحات الخضراء في أشكال حدائقية متعدِّدة، وامتدَّت ممرات آمنة أنيقة للمشاة، وبرزت عناية بثقافة المدينة تمثَّلت في تقديم جوانب من تاريخها وتراثها عبر الإصدارات والمسرحيات، وصار في الرياض متَّسعٌ رحب للفرح في مناسباتها الدينيَّة والوطنية.
أصبح مصطلح “الأنسنة” مفردة معروفة ومطلوبة أحسبها استقرَّت في قاموس العمل البلدي، ولعلها أضيفت إلى قائمة المأمول من الجهات البلدية. وكان جميلاً أن وثَّق سمو الأمين عبد العزيز بن عيَّاف تجربة الأمانة التي رعاها زمناً، في مجال الأنسنة في كتابه “تعزيز البعد الإنساني في العمل البلدي.. الرياض أنموذجاً”. وقد تطرَّق إلى البدايات والتحدِّيات، واستعرض المنجز. وكان جميلاً أن دوَّن بأمانته اعترافاً بأنَّ ما تمَّ هو بعض من كثيرٍ ممكن ومأمول. ويبقى تساؤله “نعم بالإمكان أفضل.. وأكثر.. وأجمل” رسالة تعني في تواضع القادر أنَّ مجال الاستمرار في هذا الجانب ليس مثار تفكير وإنما مجال تكملة وإصرار. وهو ما على المعنيين بالعمل البلدي الاستنارة بفكرته والاستزادة من ريادته.
التجربة التي تمَّ توثيقها هي جانب من جوانب مختلفة في إدارة تنمية المدينة، أحسب أن لأمانة الرياض واسع سبقٍ فيها.. ويظلُّ الكثير الكثير منتظَراً. ولعل الأمين العيَّاف يكمل توثيق تجربته بالحديث عن جوانب أخرى تستحق أن تقدَّم إلى من يهمهم الأمر من مسؤولين ومهتمين بالعمران، وللمواطن بالتأكيد. وهي دعوة لكِّل من حاول نجاحاً، فأدرك بعضه أن يقدِّم تجربته في توثيقٍ مهنيٍّ صادق، يمكِّن من الاستفادة منه والبناء عليه.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *