لا صوت يعلو فوق صوت التعليم

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] د‏.‏ هاني الناظر[/COLOR][/ALIGN]

خلال شهر يونيو عام‏1967‏ تعرض الشعب المصري لإمتحان عظيم‏,‏ وذلك عندما قامت القوات الاسرائيلية بمهاجمة سيناء والاشتباك مع الجيش المصري في معركة غير متكافئة‏,‏ معتمدة في تلك الأوقات علي الدعم العسكري الأمريكي والأوروبي‏,‏ وانتهي العدوان الاسرائيلي باحتلال سيناء‏.‏ وفي نفس العام قرر المصريون أن يثبتوا لأنفسهم قبل أن يثبتوا للعالم أنهم شعب لا ينكسر ولا يقبل الهوان‏,‏ فبدأت مصر ـ دولة ومواطنين ـ الاستعداد لحرب التحرير وإعادة بناء جيش قوي يقهر المعتدي ويعيد الارض المحتلة‏,‏ وفي ذلك الحين اتخذت مصر شعارا مهما عنوانه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وبدأ التحرك السريع من خلال جمع الهمم وشحذ المعنويات واستنفار القوي بل واصبح كل نشاط داخل الدولة موجه لتحقيق ذلك الهدف‏,‏ وانشأت الدولة ما يعرف بتمويل المجهود الحربي وذلك لتوجية كل الدعم المادي لهذا المجهود‏,‏ وشاركت كل فئات الشعب في ذلك العمل حتي إن كوكب الشرق أم كلثوم جابت العالم لتحيي حفلاتها الغنائية وتخصص دخلها للمجهود الحربي حتي المصريون بدأوا في الاستغناء عن كل وسائل الترفيه فتوقف الدوري الكروي‏,‏
واستغنت الحكومة عن كثير من أنشطتها العادية لتحويل ميزانيات تلك الانشطة لدم المجهود الحربي وباتت الاولوية الاولي والقصوي هي بناء الجيش الذي يخوض معركة مصر المصيرية‏,‏ فكان شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة هو المحرك لكل انشطة الحكومة وكل المصريين وقد كان‏…‏ فبعد ست سنوات فقط من تلك النكسة تمكنت مصر من إبهار العالم وانتفض جيشها شامخا ليعبر قناة السويس ويقتحم المستحيل كما قال الخبراء العسكريون في كل ارجاء المعمورة‏,‏ وأثبت المصريون أنهم عندما ينوون تحويل الحلم الي حقيقة فإنهم يفعلون ذلك متسلحين بالعلم والمعرفه‏.‏
ولعل اليوم أشبه بالبارحه فما فعلناه بالأمس اصبحنا في حاجة لتكراره الآن‏,‏ ولكننا اليوم أمام معركة من نوع آخر‏,‏ معركة أكثر خطورة لمواجهة عدو أكثر شراسة‏,‏ معركة بناء الإنسان المصري المسلح بعلمه وثقافته الانسان القادر علي النهوض بمجتمعه‏,‏ انسان يضع الحلول العلمية لمشاكل وهموم الوطن‏…‏ إنها معركة العلم والمعرفة‏.‏
ولعلي عندما أسهبت في كلامي عن الماضي قصدت أن يكون هذا الماضي نبراسا لنا ونحن نتطلع للتصدي الحقيقي لقضية التعليم إن التعليم في مصر بات يمثل مشكلة ضخمة تواجه المجتمع بأسره وتهدد مستقبله بصورة غاية في الخطورة‏.‏ والمتتبع للأزمات والظروف الصعبة التي تمر بها مصر الآن يجد وبدون بحث أو عناء أن وراء كل تلك الأزمات الخلل الذي أصاب منظومة التعليم‏.‏ إن التصدي لهذه المشكلة يحتاج الي البدء فورا في عملية إصلاح جذري للتعليم المصري يبدأ من المرحلة قبل الابتدائية وحتي المرحلة الجامعية‏,‏ وفي هذا الصدد علينا ان نستفيد من كل الدراسات التي أجريت خلال السنوات الماضية والتي قدمها الخبراء والمتخصصون في المجالس القومية وفي لجان التعليم بالاحزاب السياسية‏,‏ ولكننا اذا أردنا تفعيل كل هذا علي أرض الواقع فإننا لابد أن نسارع الآن في وضع افكار ورؤي جريئة لحل إحدي مشاكل التعليم الاساسية في مصر وهي مشكلة التمويل والتي تمثل ركنا اساسيا في التطوير الشامل الذي ينادي به السيد الرئيس محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية‏.‏
إن الواقع يقول أن ضعف التمويل لمنظومة التعليم خلال الخمسين عاما الماضية أدي وبلا ادني شك لمعظم المشاكل التي نعاني منها الآن سواء كانت مشاكل صحية أو اجتماعية أو صناعية أو زراعية أو بيئية‏,‏ بل إن أخطر المشاكل التي تعرضنا لها خلال السنوات السابقة وهي مشكلة الارهاب تعود اسبابها في المقام الأول لانخفاض مستوي التعليم والبعد عن مجتمع المعرفة نتيجة ضعف الانفاق علي التعليم‏.‏
أننا في حاجة ملحة لأن نبدأ مشروعا قوميا مثل ذلك الذي فعلناه إبان حرب‏1967,‏ من خلال تبني سياسة جديدة تحمل المعني نفسه وهو لا صوت يعلو فوق صوت التعليم‏.‏ إننا نحتاج من حكومتنا الرشيدة أن تعيد النظر في أوجه صرف الميزانية وأعادة توزيع الأولويات في الإنفاق الحكومي علي الوزارات المختلفة اننا في حاجة للقرار الجرئ في استقطاع أجزاء من ميزانيات بعض الوزارات وإضافتها الي ميزانية التعليم سواء الجامعي أو قبل الجامعي إننا في حاجة لأفكار حكومية جديدة لجذب استثمارات وأموال المصريين التي يوجهونها للأفراد والشركات التي تقوم بتوظيف الأموال ثم تطير تلك الأرصدة في الهواء‏,‏ ان المصريين الذين يدفعون يوميا ملايين الجنيهات في مسابقات تليفونية وأسئلة فنية ورياضية والاخرين الذين يشترون العقارات والأراضي في الصحراء ويتركونها للمستقبل علي اعتبار ان ذلك نوع من الاستثمار كل هؤلاء في حاجة شديدة لمن يوجهونهم التوجيه الصحيح لاستثمار أموالهم بصورة حقيقية غير تقليدية‏.‏ هذه الاستثمارات يمكن أن تساهم في تمويل تطوير التعليم‏.
‏ ان المصري بطبيعته يعمل دائما بجد و إتقان ويعشق أن يكون موظفا يقبض مرتبه كل شهر ويبحث دائما عن أيد أمينة يسلم لها أمواله لكي تستثمرها نيابة عنه دون أن يأخذ مخاطرة أن يقوم بذلك بنفسه في تجارة أو غيرها‏.‏ هذه الحقيقة لابد أن تدركها الحكومة وتستفيد من توظيف أموال المصريين العاملين بالخارج وكذا من الموجودين بالداخل‏,‏ ولعل قضايا توظيف الأموال وغيرها خير دليل علي كلامي هذا‏,‏ انني أتصور لو أن جزءا من أموال المصريين الي راحت هنا وهناك داخل وخارج مصر كانت كافيه تماما لاستثمارها بطرق جديدة تخدم قضية تمويل التعليم في مصر‏,‏ وهنا أود ان اشير الي ما يشارك به القطاع الخاص في العملية التعليمية سواء كان تعليما مدرسيا أو جامعيا في صورة مدارس خاصة وجامعات خاصة أو بالمشاركة المجتمعية من خلال التبرع بانشاء مدارس في المحافظات المختلفة‏,‏ فكل هذا مجهود جيد ولكن كل هذا يمثل نسبة لا تزيد عن‏7%‏ من حجم العملية التعليمية في مصر‏,‏
ان الحكومة عليها ان توجه مدخرات المصريين في صورة استثمارات في مجال التعليم لتطوير المدارس الحالية وانشاء مدارس حديثة تعمل جميعا في ظل منظومة تعليمية متقدمة تدر عائدا لاصحاب تلك المدخرات وفي نفس الوقت يستخدم جزء من هذا العائد في تطوير المدارس الحكومية المنتشرة في المدن والقري المصرية من اجل توفير تعليم جيد ومتميز لابناء الفئات غير القادرة التي لا تستطيع دفع مصاريف باهظة لتعليم أبنائها وبناتها فمجانية التعليم حق لكل مواطن مصري يكفله له الدستور علينا أن نحافظ علية ان القادر عليه ان يدفع من أجل تعليم أبنائه وأبناء غير القادرين ففي النهاية سيعمل هؤلاء الأبناء جميعا جنبا الي جنب بعد تخرجهم في مؤسسات وشركات وادارات ومصانع مصرية تعمل من اجل مستقبل وطن واحد‏.‏
ان الرؤي والافكار متعددة‏,‏ واننا دائما في حاجة لأفكار متميزة تساهم في التغلب علي تلك المشكلة‏.‏ ولا شك أن مصر غنية بأصحاب الرؤي والفكر القادرين علي طرح أفكار أخري وطرق ووسائل مختلفة لجذب وتفعيل تلك الاستثمارات في ذلك المجال وإنني علي ثقة تامة بأن هذه الحكومة الجريئة والجادة في اتخاذ قرارات مصيرية قادرة بإذن الله علي التقدم بخطي ثابته نحو تحقيق هذا الهدف في ظل حقيقة وواقع يقول فعلا انه لا صوت يعلو علي صوت التعليم‏.‏
الإهرام المصرية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *