[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]سلمان بن محمد العُمري[/COLOR][/ALIGN]

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ، وميزه عن سائر المخلوقات بأشياء كثيرة ، ومنها تسخير معظم المخلوقات له ، مع ما يتميز به من العقل ، والنطق ، وأمور أخرى ، وهذا التميز للإنسان لا يمنعه من الاستفادة من مخلوقات الله ، وأخذ العبر والدروس منها ، بل إن هذا من الحكمة لدى كافة العقلاء ، بأن يستفيدوا مما حولهم ، ويستنبطوا كل ماهو مفيد .ولو تدبرنا عالم الحيوان والطير لوجدنا في هذين العالمين من الأسرار والدروس ما يمكن أن نستفيد منه في حياتنا ، ولو نظرنا إلى أصغر المخلوقات كالنحل مثلاً لعرفنا وتعلمنا دقة التنظيم ، والإخلاص في العمل ، ولو راقبنا النمل لقطفنا منه دروساً في الإصرار ، والصبر ، والتخطيط ، وعدم اليأس ، وبذل ماهو فوق المستطاع .. وهكذا .
وإذا كان الله سبحانه كرم ابن آدم بالعقل ، فمن العقل والحكمة أن يتفكر فيما حوله من المخلوقات ، ويأخذ منها الدروس والعبر ، وإلا فقد هذه الميزة ، وأصبح كسائر الحيوانات تأكل وتشرب وتتناسل ، والمتأمل العاقل لا يتردد في المعرفة الإيجابية ، والبحث عنها ، ولا ضير في أن يتفكر ويأخذ العبر من مخلوقات الله ، وإن كان له التميز ، والحكماء كانوا يشبهون الرجل الشجاع بالأسد ، والذئب ، وينعتون الرجل المخادع بالثعلب ، والجبان بالأرنب والنعام ، والمسالم بالحمامة .. وهكذا .
وسواء أخذ الإنسان بمبدأ الاستفادة مما حوله أم لم يأخذ بها ، فهناك فريق آخر يصف الإنسان بأنه مخلوق \”متغطرس ومجرم ومعتد\” ، ولكن الله سبحانه نفى ذلك في كتابه العزيز ولكن وصف الله المعرضين بأنهم كالأنعام بل هم أضل .وكما ذكرت فقد يوصف الرجل ذو المكارم بأوصاف كريمة لبعض الحيوانات وأسمائها لتعظيم شأنه ، ويوصف ويسمى آخر بأسماء حيوانات دنيئة تقليلاً من شأنه ، وتوصيفاً لما هو عليه من خلق سيء ، وأفعال ذميمة ، والحيوانات والطيور كالبشر فيهم التفاوت في الصفات ، مع ملاحظة أن علماء البلاغة قالوا : لا يشترط في المشبه أن تكون فيه جميع صفات المشبه به .
وبناء على ما سبق، اسمحوا لي بأن أقدم إليكم نوعين من الطير صفاتهما مختلفة كما هو الحال في البشر ، ولكن بعض البشر على غرار هذين الطيرين، ألا وهما الهدهد والببغاء .. هناك من البشر من هو كالهدهد لا يتكلم كثيراً ، وإذا ما تحدث جاء بالمفيد ، ومن الصفات الحسنة للهدهد أنه لا يهاب في الحق أحداً ، ويقول الصدق ، ولا يغش ولا يخدع ، وأما الصنف الآخر فهو مهذار ثرثار يردد الكلام ، وكل ما سمعه في أي وقت ، وفي أي مكان ، كالببغاء الذي يقول ما سمعه إن حقاً وإن باطلاً .
لقد كان أحد مشايخنا في المعاهد العلمية -رحمه الله – حكيماً ، ومازلت أذكره ، وأذكر أقواله الحكيمة ، وتوجيهاته السديدة لبعض الطلاب ، وتنمية مطامحهم ، وتشجيعهم على مكارم الأخلاق ، وقدم درساً علمياً لأحد الزملاء فقال له :\”كن كالهدهد ولا تكن كالببغاء\”.. ورحم الله شيخنا لو رأى أحوال الناس الآن فسيرى كثيراً من الببغاوات ليس في سوق الطيور ، إنما في المجالس ، ودوائر الأعمال ، وفي كل مكان .. والله المستعان .
alomari 1420 @ yahoo . com

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *