لا تقرأ التاريخ من مصدر واحد

• عبدالرحمن آل فرحان

كثير من نقاشاتنا الاجتماعية لا تخلو من احتدامات فكرية وتجاذبات لفظية تشبه إلي حد التطابق ما نشاهده من نقاشات وحوارات ساخنة على شاشات الفضائيات العربية ، أوداج منتفخة وأنفاس متلاحقة وأصوات متضخمة تنتهي عادة باحتقان يحمله كل منا فوق صدره وهو عائد إلي منزله ، وبالنظر في معظم هذه النقاشات نجد أن جلها يرتكز على ما سطره المؤرخون الأوائل لنا ، كل يقرأ التأريخ بطريقته وعلى النحو الذي يشبع منهجه ويغذي فكرته ورؤيته ، فالحدث التأريخي واحد!! غير أن ما ينسج حوله من حكايا وإسقاطات فبالعشرات وربما بالمئات ، فلا تحققت لنا العبرة بذلك الحدث التأريخي ولا تمكنا من فك شبكة الأحاجي حول عنق ذلك الحدث أو هذا الموقف.
إن ما يقلق حقاً هو تجاهلنا حقيقة كتابات التأريخ التي لم تكن سوى خلجات وانطباعات المؤرخ ذاته التي ربما أن جلها لا يمت لواقع الحدث بصلة، ولا أدل على ذلك من نشرات الأخبار في قنواتنا هذه الأيام.. تجد الخبر واحدا.. والمشهد واحدا والمكان واحدا في زمن واحد ! لكن كل يبثه وفق إيدلوجياته وأهدافه ، فإن كان هذا هو شأن واقعنا المعاصر اليوم الذي تدعمه تقنية البث المباشر بالصوت والصورة فما بالكم بأحداث تأريخية طويت تحت مئات السنين ولم يعد يظهر منها سوى هذه الكتب وما فيها من تضاربات وتقاطعات تركها مؤلفوها ثم رحلوا كما رحلت خلفهم حيثيات زمنهم وصراعاته وأصبحنا نحن من يدفع ثمن كل ذلك من حياتنا ودمائنا ومواردنا دونما حتى أن يرف لنا جفن عن مغزى كل هذا.
هذ التحيز المفرط من قبل كل شخص منا لمصادره التأريخية جعل من المستحيل إثبات شيئاً في التأريخ أو نفيه ! وفي ذات الوقت جعل من فضيلة إعادة التفكير في القناعات والمصادر التأريخية أمراً في غاية الاستحالة خاصة مع من يتصور أن ذلك قد يضع مصداقيته أو جماهيريته على المحك ؟!.
إن تجاهلنا لحقيقة كون التأريخ البشري مجرد اختراع بشري وجهد بشري يفترض أن تبقى سردياته وإخبارياته داخل الأطر البشرية فقط هو ما يفضي لكثير من نزاعاتنا وخلافاتنا المخفية منها والمعلنة اليوم وكل يوم، والتي ما من خلاص منها بغير إدراك أن ما من مؤرخ اتفق العلماء والباحثون في التأريخ العربي وغير العربي على أنه كتب إخبارياته بلا توابل ؟ وهو ما ينبغي أن يراودني ويراودك في كل مرة تنطلق فيها شرارة الحوار بيننا ، جرب أن تتعامل مع مصادرك التاريخية على هذا النحو..صدقني ستتوقف عن كراهيتي كوني قد خالفتك ..ولن تضطر حينها لقتلي لأني اعتمدت على مصادر أخرى من وجهة نظرك تعدها كاذبة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *