[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أ.د. محمود نديم نحاس[/COLOR][/ALIGN]

سعدت كثيراً عندما أحضرت ابنتي من مدرستها الثانوية ورقة تطلب مني إذناً لتشارك في رحلة مدرسية إلى مركز الحوار الوطني. وفي تلك الرحلة استمعت البنات إلى محاضرتين عن أهمية الحوار في حياة الشعوب. ولدى عودتهن طُلب منهن المشاركة في مسابقة بعنوان: الحوار والإبداع الفكري. إنها ولاشك فكرة جميلة أن نعلم الأجيال فكرة الحوار.
قدحت تلك الرحلة عندي فكرة واجب يتعلق بالحوار أعطيه لطلابي كل فصل دراسي، ليتعلموا كيف يتحاورون فيما بينهم، وكيف يتعاملون مع الأفكار المخالفة لأفكارهم. ولأننا في كلية الهندسة معنيون بالأمور الهندسية ولا نتطرق لغيرها، فمن الطبيعي أن يكون حوارنا متعلقاً بموضوعات هندسية، ومن جهتي اختاره مما يخصهم جميعاً. ففي هذا الفصل مثلاً كان حوارهم حول سياراتهم، فاجتمعت كل مجموعة بإدارة أحد أفرادها، وبدأ الحوار بأن طرح كل طالب المزايا التي رآها في سيارته الحالية أو التي ينوي شراءها قريباً، ودافع عن أسباب اختياره، وربطها بما يحتاجه هو من السيارة، في حين تولى الآخرون معارضته إن رأوا غير رأيه. ومهمة رئيس المجموعة تنظيم الإذن في الكلام حتى يجري الحوار دون شجار. وقد نجحت الفكرة نجاحاً جيداً حيث يستفيد الطلاب منها في الواجبات التالية التي عليهم أن يقوموا بها ضمن مجموعات.
إن تعلم أدب الحوار وممارسته يجعل الطلاب يشعرون بأن كثيراً من أمور حياتنا ليس لها جواب واحد. فلو كان هناك جواب واحد في عالم السيارات مثلاً لوجدنا الشوارع تمتلئ بسيارات من طراز وحيد، ولماتت الأفكار الإبداعية عند المهندسين، ولما وجدنا تطوراً في الحياة لأن الأفكار الجديدة ممنوعة. وباختصار لا أحد يحتكر الصواب. ومن يظن أن الصواب معه وحده فلا يمكن أن يعيش مع الناس.
لا بديل للحوار للشعوب التي تريد إقامة حياة حضارية. فإن غاب الحوار فلا شيء سوى الفوضى والغوغائية واستخدام القوة لإسكات الآخر وقمعه. وقد أرسل لي صديق مقاطع فيديو من برامج متلفزة من بلدان مختلفة كان المفترض بها أن تكون برامج حوارية، ورغم أنها كانت بلغات لا أعرفها لكني فهمت النهاية جيداً لأنها انتهت بالضرب بالبوكس والكراسي.
إن أي مجتمع ينعدم فيه الحوار فهو على خطر، وأي مكان تُستخدم فيه القوة عوضاً عن الحوار فهو فاقد لمقومات الحياة. فالحوار ينعش المجتمع فيصبح قادراً على التطور، وتموت الأمم حضارياً إذا غاب الحوار وحلت محله العضلات. لقد تنبهت بعض الجامعات إلى أهمية تعليم الحوار لطلابها، فصرنا ندرس مقرراً جديداً أسميناه مهارات الاتصال، لأن إتقان هذه المهارات من سمات الناجحين. ومن صفات الإنسان الناجح أنه يغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم، ويفتح أذنيه قبل أن يفتح الناس أفواههم. ونعلمهم في هذا المقرر ضرورة التركيز على الحلول أكثر من التركيز على اللوم وتوجيه الاتهامات.
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *