كيف تحكم أمريكا – الحلقة (84)
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]سامي زين العابدين حماد[/COLOR][/ALIGN]
ويروي لنا ابن هشام أن اليهود كانوا دائمي المحاولة لبث الوقيعة بين الأوس والخزرج، إذ إن شاس بن قيس وهو من يهود المدينة مرّ على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس يتحدثون فيه، فما كان منه إلا وقلبه امتلأ من الغيظ ما رأى من الفهم، حيث جمعهم الإسلام بعد الذي كان بينهم من القسمة والخلاف، فما كان منه إلا أن أوعز أحد شباب اليهود كان معهم قائلا له: اجلس معهم وذاكرهم بيوم بعاث، وما كان قبله وأنشدهم بعض ما قالوه من شعر في تلك الأيام، ففعل، فما كان من القوم إلا أن قاموا وتنازعوا وتفاخروا، فغضب كلا الفريقين وصاحوا السلاح السلاح، فبلغ الأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ خرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حيث قال فيهم: (يامعشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله بالإسلام وأكرمكم به، وقطع عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم) فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا. (راجع ابن هشام، السيرة النبوية: 556 -555 /1.
وبالرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم تركهم على دينهم وعاش معهم في سماحة تامة إلا أن اليهود كعادتهم يكرهون الأنبياء وأتباعهم، فأضحوا يكيدون للنبي صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين سرا وجهرا، حتى إن بني قينقاع نبذوا عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أول من نكث من اليهود العهد جهرة، إذ حاربوا ما بين بدر وأحد (راجع الطبري 2/480). وهذه تعتبر أول مواجهة عسكرية بين المسلمين واليهود انتهت بهزيمتهم واجلائهم عن المدينة بعد محاصرة لخمس عشرة ليلة.
وحينما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بني النضير طالبا منهم إعانتهم في دية قتيلين من بني عامر قتلهما عمر بن أمية الضمري خطأ، حيث كان بين بني النضير وبين بني عامر عقد حلف، وأنهم تظاهروا بالاستجابة وكانوا قد عمدوا شخصا منهم يدعى عمرو بن جحاش بن كعب ليلقي بصخرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعلى، حينما كان النبي يجلس بجانب جداره، وقد أخبر الله رسوله بالمؤامرة، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن قام في الحال وذهب إلى المدينة وجهز جيشه وجاءهم محاربا، وانتهت هذه المواجهة بإجلاء بني النضير من المدينة، فرحل فريق منهم إلى خيبر والبعض ذهب إلى الشام (راجع ابن هشام (1/190).
وفي خيبر أخذوا يستعدون للانتقام من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأخذوا يحرضون القبائل على النبي، وكانت غزوة الأحزاب ثم بعد ذلك نقض يهود بني قريظة العهد، وبعد انتهاء غزوة الأحزاب خرج لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيشه، وحاصرهم ثم طلبوا أن ينزلوا على حكم سيد الأوس سعد بن معاذ، وكان رضي الله عنه حليفا لهم قبل الإسلام، وطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وأتى سعد على دابته وكان جريحا ينزف الدم من جرحه، ووقف وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتقبل حكمي الذي أحكم فيه عليهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، أقبل، ثم اتجه إلى يهود وقال: أتقبلوا الحكم الذي أحكم فيه عليكم؟ قالوا: نعم، فحكم بضرب أعناق الرجال وتوزيع أموالهم على المسلمين، وسبي نسائهم وذراريهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: حكمت فيهم حكم الله من فوق سبع سموات. وتوفي سعد رضي الله عنه متأثرا بجراحه بعد ثلاثة أيام.
وفي محرم سنة سبع من الهجرة قام المسلمون بمحاصرة حصون خيبر، وقد دام الحصار بضع عشرة ليلة، وقد منّ الله على المسلمين بفتح عدد من الحصون، وأخيرا حصروا في حصنيهم الأخيرين (الوطيح والسلالم) ولما يئس اليهود من النجاة طلبوا من الرسول أن يصالحهم على نصف أموالهم، فصالحهم.
وما أن اطمأن المسلمون بعد خيبر إلا أن مكر اليهود أخذ طريقه، إذ حاول اليهود مرة أخرى قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ ان أحد نساء اليهود وتدعى زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم أهدت إلى النبي شاة مشوية، وكانت قد سألت أي جزء من الشاة أحب إلى رسول الله؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت في الذراع السمّ، وبعد ذلك سمّت سائر الشاة، وحينما وضعت أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع فأخذ منها مضغة فلم يستسيغها، وكان معه بشر بن البراء بن معرور حيث أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ إن بشر بلعها إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظها وقال: (إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم) ثم دعي بزينت فاعترفت، فسألها: ما حملك على هذا؟ فقالت: بلغني عن قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكا –أي النبي- استرحت منه، وإن كان نبيا فيسيخبر، فعفى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بشر بأكلته التي أكل، وفي رواية أخرى قتلها قصاصا لمقتل بشر بن البراء بن معرور.
وبالرغم من أنه حينما أتى إلى المدينة ووضع الصحيفة التي هي في نظري تعد أول دستور مكتوب في التاريخ، حيث انه صلى الله عليه وسلم تركهم على دينهم وفي ديارهم أحرارا، وقد أخذ عليهم بموجب الدستور حيث ذكر في المادة السادسة عشر: وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناحرين عليهم. وفي المادة 25: أن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين. وفي المادة 26: وأن يهود بني عوف أنه مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم واتهم، فإنه لا يوتع إلا نفسه وأهل بيته. وفي المواد التالية نجد:
27: وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.
28: وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
29: وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
30: وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.
31: وأن ليهود بني الأوس مثل ماليهود بني عوف.
32: وأن ليهود بني ثعلبة مثل ماليهود بني عوف إلا من ظلم واتهم، فإنه لا يوتع إلا نفسه وأهل بيته.
36: وأن بطانة يهود كأنفسهم.
37: وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم.
39: وأنه من قتل فبنفسه قتل، والله بينه إلا من ظلم وأن الله على أبر هذا، وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.
41: وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
43: وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
44: وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.
49: وأن يهود الأوس ومواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.
إن هذه البنود التي تخص يهود تدل دلالة واضحة على عدل النبي صلى الله عليه وسلم وسماحته معهم، فلم يظلمهم ولم يجبرهم على الدخول في دين الإسلام.
ومن هنا ندرك أن دين الإسلام هو دين تعايش وتسامح مع الآخرين، وبالأخص مواطنوا الدولة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا كيف نتعايش مع أصحاب الديانات الأخرى، فكذلك لم يبطش بالمنافقين وقبل منهم العذر حينما لم يخرجوا معه في غزوة تبوك، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبره الله عنهم جميعا وقد سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كاتب سره حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول له: هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين المنافقين؟ فيقول له رضي الله عنه: لا.
وأنا هنا أوردت هذين المثالين لأبرهن أن دين الإسلام هو دين التعايش والتسامح لا دين عنف وارهاب، وإنما الارهاب هو ديدن اليهود.
روى ابن هشام عن ابن عون أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يراودونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها وهي غافلة، فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديان فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع، ثم قام الجيش بمحاصرة اليهود في حصونهم ودام الحصار خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة وانتهت بجلائهم من المدينة.
من هنا ندرك مدى المكائد التي كادها اليهود في سبيل القضاء على المسلمين. وبهذا فإنه وجب عليهم الدفاع عن أنفسهم ومحاربة اليهود، ومن المعروف لدينا أن اليهود دائما يعملون في الخفاء ضد البشرية، وحينما قضى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفتن الداخلية بعد التحاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى بدأت الدولة الإسلامية تشق طريقها إلى النمو والتوسع، فقام اليهود أعداء الله والبشرية بالكيد إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يروي الطبري أن سبب وفاته اليهود، سمته في أرزة ويقال في جزيرة، وهي نوع من طعام العرب وتناول معه الحارث بن كلدة منها ثم كف، وقال لأبي بكر رضي الله عنه: أكلت طعاما مسموما سم ستة، فمات أبو بكر رضي الله عنه بعد ستة.
وتروي لنا كتب التاريخ أن كعب الأحبار كان يتظاهر بالإسلام وهو لم يكن مسلما في يوم من الأيام، بل كان يكيد في الخفاء للإسلام والدولة الإسلامية، وحدث يوما أتى الى عمر بن الخطاب وقال له أرى في التوراة أنك ميت بعد ثلاثة أيام، وأتاه في اليوم الثاني وقال له: بقي لك يومان، ثم أتاه في اليوم الثالث وقال له: بقي لك يوم واحد، ثم ظهر أبو لؤلؤة المجوسي في صباح اليوم التالي وعمر يصلي صلاة الصبح فطعنه بخنجر مسموم، وهذا مما يثبت أن كعب الأحبار كان من مدبري قتل عمر رضي الله عنه، كان يعلم بوقوع الحادثة ولم ينبه خليفة المسلمين بذلك، وادعى أن هذا الخبر موجود في التوراة وهذا غير صحيح (راجع ابن عبد ربه: العقد الفريد: 4/233).
مما تقدم رأينا كيف وأن اليهود حاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن الله حماه وأنجاه من الموت، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ألّبوا عليه القبائل وجمعوا عليه الأحزاب وأرادوا القضاء عليه وعلى أصحابه، وكذلك نجد في كتب السيرة وفي التفاسير أن لبيد بن عاصم اليهودي سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عليه المعوذتين، ورقاه جبريل عليه السلام، وفك سحره الذي كان قد رمي في بئر لبني زريق يقال له ذروان كذلك رأيناهم قد وضعوا السم لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كذلك تآمروا على قتل عمر رضي الله عنه، وهذا مما يثبت أن تاريخ اليهود هو تاريخ ملطخ بالدماء وأنهم هم ارهابيوا العالم على مر الأجيال والأزمان، وأنا أورد هذه الشواهد لأبين أن هؤلاء القوم لا يلتزمون بعهود ولا بمواثيق، إذ قال الله عز وجل فيهم (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) (سورة البقرة: الآية 100).
لذا يجب علينا أن نحذر منهم ونعمل جاهدين على أن يرجعوا من حيث أتوا، لأن وجودهم بيننا سوف يكلفنا الشيء الكثير، وقد بينت خطط الصهيونية العالمية في تجزئة المجزأة وتقسبم المقسم في الحلقات الماضية، ذلك لأن الأمن القومي لدولة إسرائيل واستمرار وجودها واستمرار توسعها والاستيلاء على مزيد من الأراضي لايتم إلا ببث الفتن وروح الفرقة بين الدول الإسلامية والعمل على تجزئتها وتقسيمها إلى دويلات متناحرة، وخير مثل لنا الآن القائم في السودان واليمن والباكستان وأفغانستان والعراق والصومال، بل هناك نداءات من المسيحيين المصريين ينادون بأن يرجعوا العرب المسلمين من حيث أتوا من الجزيرة العربية، في حين ان المسلمين المصريين هم أقباط في الأصل ثم أسلموا، وبقي جزء يسير منهم على المسيحية، فالمسلمون المصريون أقباط كما المسيحيون المصريون أقباط، وهذه النعرة دفعتها الصهيونية لتشعل نار الفتنة بين مواطني أكبر دولة عربية، فاليهود هم الذين أشعلوا نار الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه حيث تروي لنا كتب التاريخ في أحداث سنة 35 للهجرة وهي السنة التي قتل فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث روى الطبري تفاصيل استدعاء عثمان لولاته في الأمصار لاستشارتهم مما بلغه من أنباء عن تفشي الظلم في ربوع الدولة الإسلامية، وتبرم الناس من ولاتهم من حرمات تنتهك ومظالم ترتكب، فأتى من ولاة عثمان عبدالله بن عامر ومعاوية بن أبي سفيان وعبدالله بن سعد وأشرك معهم في الشورى سعيد بن العاص، وعمرو بن العاص، فقال لهم عثمان رضي الله عنه: ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الإذاعة؟ وإني والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يصعب هذا إلا بي) (الطبري 4/342).
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة
[email protected]
التصنيف: