كم نحن متواضعون
كثيرا ما نتمنى أن نعلم الكثير عن كل شيء.. وأن نكون مثقفين ثقافة عالية جدا.. وأن نعرف كل شيء عن كل شيء حولنا.. حتى أننا نحاول أن نكون (موسوعة تمشي على الأرض..) .. لكننا لسنا كذلك أبدا .. إلا أننا وبرغبة كبيرة منا في إبهار كل من حولنا.. نخوض في كل الأمور المطروقة .. ونحاول أن نتعمق في تلك الأمور التي لا نعرف عنها أي شيء .. ومن ثم نغوص ونبحث بين خبايا المعلومات الكثيرة التي تشتمل عليها دوائر المعارف الكبرى .. لأننا لا نريد أن نشعر بالفشل أبدا.. لا نريد أن يقال عنا بأننا جهلاء أبدا.. فنحن نعرف كل شيء عن كل شيء .. مما يجعلنا نمتلىء بالغرور الذي يحملنا من فوق هذه الأرض .. ويتخطى كل قوانين الجاذبية الأرضية .. وكل قوانين نيوتن وتفاحته التي لا ندري إن كانت حمراء أم خضراء .. لنقول للعالم كله.. بأننا وحدنا من أرسى قواعد التكنولوجيا في هذه الأرض .. وبأننا وحدنا من يعرف أين يمكننا العثور على ديناصور كامل بلحمه وشحمه.. ولكن تحت قيعان المحيطات والأنهار .. وأننا وحدنا من يعلم بحقيقة الانهيار الاقتصادي الذي تضرر منه العالم كله .. لكنه لم يمس شعرة واحدة من أرصدتنا المخزنة في أذهاننا وأعماقنا العامرة بالخيرات .. وبأننا وحدنا من يعرف كيف يمكن الوصول إلى المريخ .. أو بلوتو .. أو أورانوس.. دون تطبيل.. ودون محاولة تكثيف الإعلام والصحافة من حولنا..
نعم .. كم نحن متواضعون .. ونحن نعرض معلوماتنا على مرأى ومسمع البشرية كلها .. وعبر الأقمار الصناعية جميعها.. لنسأل المذيع إن كان ذلك القمر موجها باللغة العربية أو الأوردية أو الفليبينية.. أو غيرها من اللغات التي لا يعرفها الكثيرون من أبناء هذا الكوكب المليء بخيراته وأزماته .. وعواصفه وفيضاناته .. لكنه لا يحمل أدنى معرفة بعلوم الشعوب ولغاتها .. وكل اللهجات التي تتفرع عنها … وذلك لأننا وحدنا من يعرف كل شيء . هل جرب أحدكم يوما أن يسافر إلى دولة ما لقضاء إجازة أو عمل .. أو استشفاء ..أو تجارة ما .. ؟؟ لا تخافوا .. فلم يتأخر الوقت بعد .. بإمكانكم فقط الإشارة بسبابتكم إلى جهة الشرق .. فتضيء لكم لافتات المعرفة كلها .. لتمسك بيدكم .. وتسير بكم في طرقات المعمورة .. لتعرفكم على كل ما لا تعرفونه ولا تفكرون بوجوده .. في تلك البلدان .. وحتى أقاصي الأرض .. ولكن حين تدعو الحاجة إلى المعرفة الحقة .. فلا بد لنا من اللجوء إلى دليل الخدمات السياحية.. هذا إذا كنتم غير مصدقين لما تسمعونه منا ومن خبرتنا الطويلة بالبلدان والأسفار والرحلات .. فما نعرفه لم يدون في أي سجل سياحي .. ولا في أي وسائل إعلانية .. ولم يعرف حتى في زمن الرحالة العظيم .. ابن بطوطة .. ولكن من هو ابن بطوطة .. قياسا بما تحمله تلك العقول وتك الأذهان من معرفة بالشرق والغرب.. ؟؟ والسياسة والاقتصاد.. والتاريخ والفنون جميعها .. والآداب .. بكل شعابها وطرقها ومسالكها .. وشبابها وشيبانها .. فنحن هنا موسوعات متحركة .. ولأقل متنقلة تمشي على الأرض .. ولا أدري حتام ستظل مدركاتنا الخارقة بأنفسنا صالحة للاستعمال الآدمي .. ولخدمة الآخرين.. وحتى نعرف ذلك سيكون علينا حتما أن ندون كل تواريخ الإنتاج والصلاحية لكل معلوماتنا القديمة والجديدة .. عبر نوافذ المعرفة المنطلقة في الآفاق ..وعبر نوافذ العمر الافتراضي لنا .. ولمخيلاتنا الجامحة في اللاحدود….
التصنيف: