كم عم موسى لدينا
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي محمد الحسون[/COLOR][/ALIGN]
** كان ذلك الرجل الأسمر القادم من ادغال افريقيا يذكرني بأحد أبطال رواية \”الجذور\” بعنفه.. وانكساره.. بذلك البريق الذي يلمع في عينيه رغم الضنك والتعب الذي ترسمه عروقه النافرة على ساعديه وكفيه التي تبرز تعب السنين والأيام.
في الصباح الباكر يأتي قادما من \”الحرم\” ملتفاً \”ببطانية\” صوف تقيه زمهرير الشتاء اللافح.. ذلك \”الشتاء\” الذي لم يعد كما كان.. قاسياً ولكنها قسوة بلذة.. يجعلك تفرد \”كفيك\” بعد أن تكون نفخت فيهما لتشع الحرارة في أطرافها.
كان يأتي ذلك الرجل \”الأسمر\” ويفتح باب المدرسة العتيد ليستقبل القادمين من تلك الأحياء القريبة والبعيدة.
ومع قدوم ذلك الرجل \”القوي\” أو \”المرعب\” كما كان يحلو لبعضنا أن نطلق عليه لصرامته وسطوته وبصوته الجهوري المخيف \”سليمان سمان\” يترك ذلك الرجل الأسمر \”حجي موسى\” مبنى المدرسة مخترقا ذلك الشارع الطويل حتى \”برحة\” باب المجيدي.. ليقف امام بائع \”التميز\” ليحصل على بضعة اقراص منه.. ثم يذهب سريعاً إلى ذلك البقال في ركن زقاق \”الجنان\” ليأخذ \”الجبن\” الأبيض ليعود بعد ذلك ليشرع في تقطيع كل قرص من التميز إلى أربعة أجزاء.. ويحيل قرص الجبن الكبير إلى \”مكعبات\” صغيرة.. لبيع كل \”ربع تميزة\” وقطعة مكعبة صغيرة من الجبن \”بست هللات\” وهو ما يساوي \”قرش ونصف\” تقريبا.
وكان عم موسى.. ذلك الرجل الأسمر يرمق بعضنا وهم يحاولون \”اختلاس\” قطعة جبن أو تميز.. فتراه يتشاغل عنه.. ليأخذ ما يريد دون أن يشعره بذلك.
عم موسى عندما سألت ذات مرة عن \”عمره\” قيل لي.. إنه كان يعمل في حمل الحجارة عند بناية مدرسة العلوم الشرعية القديمة المواجهة للحرم.
كم عم موسى لدينا الآن؟
التصنيف: