(كثر حديث.. كليوبترا وعنترة.!)

• إيمان يحيى باجنيد

أثار أحد المضافين من الأصدقاء في صفحتي على وسائل التواصل الاجتماعي موضوعاً كنت أتجنب دائماً خوض غماره، لعلمي بما يترك وراءه من خدوش داخلية، ولما رأيته من مشادات سابقة أثارها طرح الفكرة بطرق مختلفة، إنما أسلوب صديقنا “الدكتور” – المثير للاستفزاز- جعلني أتفاعل مع القصة وأرغب حقيقة في إلغاء وجوده من بين المضافين، كأبسط ردة فعل دون أن أنجرف خلف حنقي لما ذكره.. إلا أنني عندما أخذت وقتي من التفكير والتحليل لشخصية كاتب الموضوع وخلفيته العلمية والثقافية والأدبية أيضاً، وقعت في حيرة من أمري وأصبحت بين رأيين.
الأول.. أن الكاتب كان في مزاج عكر ناتج عن أمر عارض، جعله يثور ثورته تلك على كل بنات جنسي، والثاني.. أنه من فرط حبه للمشاكسة المتعارف عليها في شخصه، أراد أن يقلب الرأي الآخر عليه، فقط ليشاهد تباين الشخصيات تحت تأثير الضغط الانفعالي، وبالتالي يضع بعض الأشخاص في مجهر الحقيقة بعد نزعهم من إطار التثقيف والمعرفية، وليقيني بما يملكه الكاتب من وعي تخيرت الرأي الثاني مع أني لا أتفق معه في نهجه هذه المرة..
لفت انتباهي العديد من الردود على ذلك الطرح، وأوجد داخلي رفضاً من نوع آخر لا يستند على انحيازي لأحد الأطراف، فعلى الرغم من مرور آلاف السنين واختلاف الحضارات.. إلا أننا لا نزال مقيدين بين بنات كليوباترا وأولاد عنترة بين ناقصات العقل والدين وشرقية الفكر.. أمر لا يخرج من دائرة التصنيفات المجتمعية التي جعلت فئة وجماعة لكل صنف، إمرأة ورجل، قبلي وحضري، أبيض وأسود، حر وعبد، ولكل قراره في قولبة ما شاء منها وتفصيلها على موروثاته العرقية ومقياس فكره، وهذا الفكر حتماً لا يرتبط بدرجة علمية أو اجتماعية فهي تتجرد تمام التجريد في تلك اللحظة..
قالت إحداهن ” أنوثَتِي تتسامَى في رُجولتِه.. حتى كأنَّنِي هو أو كنتُ إيَّاه” فهم واقعي لا يمكن التغاضي عنه.
ورأي آخر يقول:
لَيسَت نِساؤُكُمُ حُلىً وَجَواهِراً … خَوفَ الضَياعِ تُصانُ في الأَحقاقِ
لَيسَت نِساؤُكُمُ أَثاثاً يُقتَنى … في الدورِ بَينَ مَخادِعٍ وَطِباقِ
تَتَشَكَّلُ الأَزمانُ في أَدوارِها … دُوَلاً وَهُنَّ عَلى الجُمودِ بَواقي
فَتَوَسَّطوا في الحالَتَينِ وَأَنصِفوا … فَالشَرُّ في التَقييدِ وَالإِطلاقِ”
ما أجملك يا شاعر النيل..
حقيقة قد تزعج شرقية البعض ألا وهي.. أن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكاملية لا يمكن أن تتم بتنازل أحدهم عنها، فلا تكتمل منظومة الحياة بدون هذا النوع من التكامل تماماً كأي منظومة أخرى.. ولعل أكبر اثبات على نظرة التكامل بمفهومها الذي يتعدى العلاقة بين الرجل والمرأة إلى أفراد المجتمع بأسره هو تفوق بعض المجتمعات دون غيرها التي انصهرت فيها جميع الأجناس بإختلاف ثقافاتهم وأعراقهم بصرف النظر عن التوجه السياسي لها، ولكي نطالب بأن نكون مثلها يجب علينا أن نرتقي بمفهومنا لقانون التصنيف، فنقف عند عتبات المنطق الرباني الذي أوجد لكل كيان هويته الفطرية ومنهجيته التي يسير وفقها.. فلن يسعدني – و مع وجود التاء المربوطة- أن أكون عنترة ، ولا أن أسلبها منه.
للتواصل على تويتر وفيسبوك emanyahyabajunaid

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *