كان معها من المهد إلى اللحد

• ريهام زامكه

الفقد، كم هو مؤلم وموجع، حين يفجعنا القدر برحيل من نحب، حين يباغتنا الرحيل الذي لا لقاء بعده، الفراق صعب والذكريات لا ترحم، عندما تمضي بنا سنين العمر، ونبحث عنهم، عن صورهم، عن روائحهم، فلا نجدهم من حولنا !فالموت هو الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذه الحياة، وجميعنا سائرون على هذا الطريق في يومٍ من الأيام لا محالة، فالموت لا يعرف ولا يترك ولا يجامل أحداً.

منذ فترة لم ينشر لي مقال، وأنا بطبعي إنسانة مُحبة للحياة ولست ممن يحبون الهموم ويقتاتون عليها، لكن الحزن استفزني فكتبت هذا المقال الذي أهديه إلى (جدتي وعمي) إلى أرواحهم الطاهرة علها تهدئ لوعة الفؤاد بعد أن حال بيننا وبينهم عالم البرزخ، وإلى حين أن نلتقي في يومٍ لا فراق بعده.

فجيعتنا بفقدانهم لم تكن هينه، كان المصاب جلل في فقدهم لكنه أمر الله، كان عمي رحمه الله رجلاً طيباً، قريباً من الناس، حبيباً للجُلاس، لطيفاً مع الصغار والكبار حتى أحبه الجميع واحترموه، وكونه أكبر أعمامي سناً ومقاماً كنا نشتم فيه رائحة جدي طيب الله ثراه، فلما سمع أحبائه بنبأ وفاته بكته الأعين، ودعت له الألسن، وترحم عليه من عرفه ومن لم يعرفه ايضاً.

سوئلت كثيراً بعد وفاتهم، هل توفاهم الله في حادث أو ما شابه ذلك، والواقع لا بل كانت إرادة الله ومشيئته أن يأخذ أمانته في روح عمي بعد وفاة والدته بسويعات. لم يكن بالأمر الهين علينا حلول مصيبتين بذات الوقت أولهما كان بفقد جدتي ومن بعدها عمي، لكنه أمر الله ولا راد لقضائه وقدره.

كان -رحمه الله- أقرب ابنائها إليها، بل يكاد يكون اكثرهم التصاقاً بأمه فعلياً (من المهد إلى اللحد). وكأنه كان ينتظر فقط الاطمئنان على والدته ليكسب برها حتى وهي في لحظاتها الأخيرة لتفارق هذه الحياة، أبى أن يودعها قبلها ويشعرها بمرارة فقده وكأنه كان يعلم أن المنية قد وافتها ليلحق مطمئناً بها. لا استطيع وصف حزني بكلمات، ففي القلب غصة من ألم واللهم لا اعتراض على قدرك. عزائي الوحيد بكما ارتباط أرواحكم ببعضها، وإنكما قد رحلتما معاً، جنباً إلى جنب، كما كنتم في الحياة الدنيا، وكما سوف نلقاكم إن شاء الله في الدار الآخرة.

اعتذر عن هذا المقال، وهذا الأسى الذي ربما لم تعتادوه مني، رحمهم الله ورحم جميع أمواتكم وجبر قلوبنا وقلوبكم بفقد كل من نحب وفارقنا فراقاً ليس من بعده أي طريقاً للرجوع. عن جدتي وعمي عباس ذاك الرجل العظيم ابن الشيخ العظيم جدي احمد زامكه كنت أتحدث، رحمكم الله يا قطعة من القلب فارقتني فأنتم أعز من فقدت. كم أحبكم وسوف أفتقدكم، إلى اللقاء إلى أن يجمعنا الله بكم ذات يوم، فمهما طال الزمان أو قصر انتظرونا فنحن قادمون.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *