[COLOR=blue]عبدالرحمن آل فرحان[/COLOR]
أصبح منزله الذي كان شغوفاً به حينما اشتراه قبل عامين مصدر خوفه وتوجساته ، والسبب أن جاره الجديد مسلم أتى للتو من السعودية ، كثيراً ما كان يصادفه في الصباح حينما يخرج لأخذ جريدته التي يلقيها عادة موزع الجرائد أمام الباب ، وأحياناً حينما يذهب أو يعود من العمل ، وفي كل مرة يريان بعضهما فيها يكتفيان بالتحايا الباردة ( من بعيد لبعيد ) ، ومما زاد من تعقيد المسألة بالنسبة لهذا الرجل أنه يهودي ، ووجه التعقيد أن عقيدته تدفعه دفعاً لبغض المسلم .. (هكذا لله في الله ) ، تماماً كما يحاول الكثير من وعاظنا الذين يدفعون الناس دفعاً لكراهية وبغض أتباع الديانات الأخرى وأيضاً ( لله في الله ) ، هذا اليهودي كان يعتقد أن يهوديته ستكون الدافع الأكبر لأن يقع في الكثير من المشاكل مع جاره ، ربما لأنه على قناعة مسبقة بأن المسلمين يمكنهم أن يتعايشوا مع الشياطين والعفاريت والوحوش إلا أن يتعايشوا مع اليهود ، فهم ( أي اليهود ) يعانون من العديد من العقد ، منها عقدة الشعور بالاضطهاد ، وعقدة الشعور بالحسد والكراهية ، علاوة على إيمانهم العميق بالبارنويا والذي لا يحاذيه غير إيماننا نحن (بأننا أمة مستهدفة ) ، كل هذه الأشياء إضافة لالتصاق الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين جعلت هذا الرجل يشعر بعدم الارتياح لجاره الجديد .. ونتيجة لهذا .. قرر الرجل أن يترك منزله .. وأخذ بالفعل يعد العدة لتنفيذ هذا القرار ، لكن عمله قطع عليه الأمر وأجبره على السفر في مهمة عاجلة لمدة 10 أيام ، الأمر الذي أجل تنفيذ الفكرة حتى ما بعد العودة من السفر .
المهم حين عاد من رحلته بساعات قليلة فوجئ برنين جرس الباب ، لقد كان ذلك المسلم !! ألقى عليه التحية وهنأه بسلامة الوصول ثم ناوله رزمة من الجرائد كانت بيده ، قائلاً : علمت بأمر غيابك ؛ فأخذت التقط كل صباح جريدتك الملقاة أمام بابك ، خشيت إن تركتها تتراكم أمام البيت علم اللصوص بأمر غيابك ، فجمعتها حتى تعود .
وللحقيقة .. لست متأكداً بما آلت إليه الأمور بعد هذه النقطة من الحكاية ، فقد أوردها هكذا الدكتور علي النملة في كتابه ( الموسوعات الفردية ) ، لكننا على أية حال نتفق جميعاً على أن النهاية الجميلة للحكاية كانت في ذلك الموقف الذي ظهر عليه المسلم والذي كان خيراً مما كان يظنه جاره اليهودي ، وما من شك أن قناعات الأخير السلبية عن المسلمين قد تبددت جراء سلوك أخلاقي وتلقائي قام به جاره المسلم من موقعه وفي محيطه الاجتماعي الضيق ، لكن لو تخيلنا أن أخلاقيات ذلك الرجل كانت سلوكيات جمعية يشترك فيها المسلمون حول العالم سواء بين أنفسهم أو مع بقية الثقافات الأخرى لأدركنا أن كل فرد سيشكل حتماً واجهة عريضة بمفرده تقول للعالم \” هكذا الإسلام \” .. لوحة زاخرة بالمثل والقيم والأخلاق النبيلة تستوعب بين ألوانها كافة ألوان البشر ، تحتفي بالجميع مهما كانت مشاربهم الثقافية ، إن لم يكن بالاتباع للدين فعلى الأقل باحترامه وحماية معتنقيه من الظلم والتضييق ، صدقوني ما تتركه الأخلاق من آثار في أذهان الآخرين أكثر فعالية وأشد ديمومة من أي سلوك آخر . فإن كانت القلوب حقولاً لمشاعر الحب فإن الأخلاق بساتينها وأزهارها وثمارها.
[email protected]
twitter: @ad_alshihri

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *