كادر المهندسين ما سبب التأجيل ؟
شهوان بن عبد الرحمن الزهراني
ارتقاء الوطن وتقدمه التقني والصناعي وإظهار وجهه الحضاري مرهون بوجود الكفاءات المؤهلة، فهي الثروة الحقيقية التي تعلو بهامة الأمة بين الأمم صناعياً، وتشمخ بالرؤوس نحو الرقي والمعالي، وتحمل الوطن بكل جدارة إلى ميادين المنافسة العالمية في كل الجوانب العلمية والتقنية والاقتصادية والعسكرية، وتجعله في مقدمة الصفوف قوي الشكيمة مهاب الجانب. وبدون ذلك لا يمكن لأي وطن أن يتقدم ويحتل موقعاً مرموقاً بين الأمم مهما كان حجم ثرواته واتساع مساحة أراضيه وكثرة عدد سكانه.
ولعل من أهم الكوادر التي تعتبر حجر الزاوية وتدفع بعجلة التقدم الصناعي نحو الطريق الصحيح هم فئة المهندسين، فهذه الفئة من أهم الفئات العلمية التي ينبغي تأهيلها تأهيلاً عالياً والاهتمام بها اهتماماً يليق بمكانتها ودورها الإيجابي في جميع جوانب الحياة، لتكون في مقدمة أولويات التخطيط للمستقبل المنتظر، ولهذا فهي تحتاج إلى عناية ورعاية بالغتين بحيث يتم توفير عوامل النجاح لها من كل الجوانب، علمياً وإدارياً ومالياً وتهيئة البيئة المناسبة للعمل وتذليل الصعاب وإزالة العوائق، وفي مقدمة ذلك كله يأتي العائد المالي للمهندس الذي يتيح له نوعاً من الطمأنينة النفسية والأمن الوظيفي الذي يجعله في منأى عن التفكير في كيفية تدبير تكاليف متطلبات الحياة، فلا يشغل ذهنه سوى السعي نحو الإبداع وإتقان العمل المناط به، أما إذا أحس الإنسان أنه أقل أهمية من حجم العمل المناط به، وأنه لم يستوفي حقوقه التي تليق بمكانته وأهميته، ثم نظر حوله فوجد أن أصحاب التخصصات الأخرى التي تقل كثيراً عن أهمية تخصصه والمستوى العلمي- وجدهم- يحصلون على ميزات مغرية ورواتب مجزية فإن عطاؤه يقل ويستحوذ التفكير في هذه المسائل على جزء كبير من نشاطه الذهني والبدني.
صحيح هناك فئات أخرى تستحق الاهتمام بها، لكنها قد حظيت من قبل باهتمام وعناية مناسبة، في حين عاشت فئة المهندسين في مجاهيل النسيان فساءت أوضاعهم، فالتدريس أصبح مقصداً ومطلباً لكل خريجي الجامعات، بسبب الكادر الذي أوفى بحقوق هذه الفئة، ومن هنا فقد كان يفترض أن يتم الاهتمام بالمهندسين ليكونوا في مقدمة الألويات حين النظر في تحسين أوضاع بعض فئات الموظفين، بيد أن هذا لم يحدث وهو خطأ كبير لا مبرر له، بحسبان أن كل المجالات الصناعية تتطلب وجود هذه الكوادر الهندسية كعناصر أساسية في الارتقاء بالعملية التصنيعية والإنشائية والتعميرية، فجميع صناعات الآلات والأجهزة الكبيرة الثقيلة والصغيرة الدقيقة الحربية والسلمية وكذلك المشاريع العملاقة كمشاريع محطات التحلية والكهرباء والطرق لا تنهض إلا من خلال هذه الفئة فتعتمد نهضة البلاد الصناعية والعمرانية والزراعية ومرافق الخدمات الرئيسية – تعتمد – دائماً على التخصصات الهندسية بكافة أنواعها وليس تخصص واحد، فكل تخصص يكمل الآخر فالاهتمام بكافة التخصصات ينبغي أن يكون على ذات المستوى من العناية والرعاية.
ومع هذه الأهمية والضرورة القصوى في العناية بهذه الفئة المهمة إلا أنه من الملاحظ على الجهات المسؤولة بالدولة -وعلى رأسها وزارة الخدمة المدنية – أنها لم تولي هذه الفئة الاهتمام الذي يوازي مكانتها وأهميتها ودورها الرئيسي في النهوض بالبلاد.
فالحياة تقوم على تبادل العطاء، فبقدر ما تعطي بقدر ما تحصل، ولا يتأتى القيام بالواجبات إلا إذا حفظت الحقوق ووصلت إلى اصحابها غير منقوصة، هذه هي سنة الحياة، فالإهمال والنسيان والتجاهل كلها محبطات ومثبطات تؤدي إلى نتائج سلبية، فجودة الحصاد يكون بقدر الاهتمام والعناية بالزرع. والعكس كذلك. ولهذا فالمهندسون العاملون في القطاع الخاص يجدون من الحوافز والمكافآت والميزات ما يجعلهم ينعمون بوظائف آمنة واستقرار وظيفي ذي مردود مالي جيد. بينما مهندس القطاع العام لا يحظى بأي ميزة أو حافز فمثله كأصغر موظف في الإدارة، ومع كل ذلك فمهندسو القطاع العام لا يتوانون عن أداء مهام أعمالهم طبقاً للمهام والاختصاصات المناطة بهم. إن لم يكن بمستوى يفوق مستوى زملائهم بالقطاع الخاص فلا يقل عنه بحال من الأحوال!. لكن لا يعني ذلك أنهم لا يحسون بالغبن ولا يشعرون بالتجاهل الذي تمارسه تلك الجهات حيالهم. ومن ثم فإن هذا الإحساس يؤدي إلى التفكير في البحث عن فرصة في القطاع الخاص ومتى توفرت هذه الفرصة فلن يتوانى في اقتناصها، والخاسر حينئذ هو القطاع العام.
صدر كادر المعلمين من ثلاثين عاماً تقريباً وكذلك كادر الأطباء وكادر الفنيين الصحيين وكادر القضاة وحققت هذه الكوادر للمشمولين بها منافع وميزات كبيرة وبقي المهندسون في طابور الانتظار طويلاً وقد يطول بهم الانتظار دون الحصول على ما يستحقون فمن يا ترى المتسبب في هذا التأجيل وما الفائدة التي يجنيها الوطن من هذا كله!؟ .
إن ما يحدث من نهضة في البلاد وما تنعم به من خيرات وما يخطط له المسؤولون من مشاريع ونقلات حضارية كبيرة لهو أمر يستدعي الاستعجال في إصدار كادر المهندسين بحيث يكون محققاً لتطلعاتهم وآمالهم ليكون ثمار ذلك نهضة شاملة ونجاح باهر في كل المجالات بإذن الله فبقدر ما تعطي بقدر ما تأخذ.
اللهم هيئي لشباب هذا الوطن الخير والكرامة بما يعود بالنفع على البلاد والعباد.
ص.ب 14873 جدة 21434
فاكس : 6534238
بريد إلكتروني
[email protected]
التصنيف: