[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]لطيفة خالد[/COLOR][/ALIGN]

يقول أحدهم: الطموح عالٍ والأحلام كبيرة ولكن الظروف تُعاكسنا، فأينما توجّهت هناك ما يُعرقل تقدّمك إمّا شهادة بتخصّص محدّد ليس متاحًا أصلاً في بلدك أو واسطة وعلاقات لا تملك مؤهّلاتها الاجتماعية أو ظروف مادّية تعوق دراستك بالخارج للتخصّص الذي تحلم به، وأحوال مادّية بالكاد تكفي المصاريف الشهريّة. فكل حركة الآن تحتاج منك لمصاريف مضاعفة، والعالم لا يمشي إلا بالعلاقات والواسطة، والأبواب مغلقة ولا تُفتح إلا لأشخاص معيّنين، وهذا هو الواقع بحقائقه المرئية. وهذا ما نراه كلنا تقريبًا ونعيشه.
ولكن هناك من يقول غير ذلك، فعمار شاب وُلد بمرض نادر، مُصاب بشلل كامل لا يتحرّك فيه سوى لسانه وعينيه، ولكن له عقل يُفكّر ويتخيّل وقلب يُؤمن ويُحب ويطمح، فقد تربّى في كنف والدين برغم أن مقطع الفيديو الذي تناول قصّة هذا الشاب لم يتحدّث عنهما كثيرًا إلا أنهما لا بدّ ويملكان إيمانًا وتفاؤلاً جعلهما لا يخضعان للحقيقة الطبّية التي قالت لهم إن العمر المُتاح لطفلهما ليس أكثر من سنتين، ولكن السنتين امتدّتا لأكثر من ذلك بكثير، وكبر عمار بإعاقته الصعبة وسط عالمنا ومجتمعنا الذي بالكاد يُعطي فرصًا جيّدة للأصحّاء فضلاً أن يُعطيها لطفل يحتاج في كل شؤونه تقريبًا لمساعدة كاملة.
وكبر عمار بإعاقته وكانت إرادته وطموحه تكبر معه وتفتح كل الأبواب للفرص غير المرئية وسط واقعنا الصلب بحقائقه المادية المقيّدة، وتفوّق في دراسته وحاز مرتبة الشرف في جامعته وكان الأول! الأول على كل أقرانه من الأصحّاء ليس فقط متفوّق، وهذا ما كان يُمكن أن يُفسره البعض بأن أساتذته ربّما تجاوزوا عنه ليحصل على التفوّق كتشجيع له، بل الأول لأنه استحقّها بمثابرته وإيمانه بما يملك من قدرات (العقل واللسان والعينين) ذلك القدر من القدرة الذي يراه البعض شيئًا مسلّمًا به ولا يرون فيه قدرات خارقة أو طاقة يُمكن أن ينطلقوا من خلالها لشقّ طريقهم في الحياة وفتح الأبواب نحو تلك العوالم والفرص التي تُخفيها عنها حقائق الواقع.
هل كان والد عمار يا تُرى يعرف أن هناك عالمًا استراليًّا سيقوم هو وابنه بعد أكثر من ستة وعشرين سنة من مولد ابنه عمار باختراع كرسي يتحرّك بناء على حركة عين جليسه المعاق وسيكون بمقدور ابنه حينها الاعتماد على نفسه أكثر؟ بل هل كان يتوقع أن ابنه سيتخرج في الجامعة فضلاً عن أن يحصل هذا الترتيب والمرتبة ؟ بالطبع لا ولكنه كان يُؤمن بقدرتنا كبشر على تجاوز أزماتنا والسير قدمًا نحو طرق أكثر اتساع وإتاحة للفرص . إن حقائق الواقع صعبة بلا شك وهي واقعية ومشاهدة ولكنها ليست كل شيء وإلا لما كانت البشريّة وصلت لما وصلت إليه الآن من تطوّر تكنولوجي في كل المستويات ومن خلال غطاء من الجلد بالكاد يُغطّي أجزاء من الجسد ورمح مصنوع من الصخر والخشب فقط.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *