لا احد يشك في ان استقبال شهر رمضان موسم الخير لعباد الله، جعله الله زمناً فاضلاً متميزاً لمسات فيه تتضاعف، والطاعات فيه تتعدد، فالمؤمن الحق من لا يضيع في زمنه شيئاً في خير ما ينفعه في دينه ودنياه، بحيث تكون غاية أفعاله كلها في طلب رضي الله عز وجل، بل انه اثمن الفرص الزمانية لمن اراد الله له كل الخير في حياته. لذا كان استقبال رمضان عند اسلافنا استقبالاً حافلاً تسبقه التوبة والتهيؤ لكل عمل صالح تكتسب منه الحسنات المتضاعفة حتى تبلغ الافاً، حتى قيل ان الناس يلجون المساجد يقرأون القرآن في مساء يوم الرؤية حتى تصبح اصواتهم المختلطة تسمع في كل جوانب المدن، فرحاً بقدوم الشهر الكريم، ويرونه الفرصة السانحة لمضاعفة الاعمال الصالحة، ولتدريب ابنائهم على فعلها حتى تصبح جزءا اصيلا من حياتهم، وربنا عز وجل اهدانا من الاوقات التي فضلها للعمل الصالح الكثير، لنستطيع ان نفعل فيها من الاعمال ما يرضيه عنا، فالاشهر الحرم الاربعة واولها رجب الفرد، ثم ذو القعدة وذو الحجة ومحرم فسيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول: (ان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والارض، السنة اثنا عشر شهرا منها اربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر بين جمادي وشعبان) فيها تتضاعف الحسنات ويكون الاثم فيها ابلغ من الاثم في غيرها، وطاعة الله ان وجبت في سائر شهور السنة فهي فيها افضل أليس يقول الله عز وجل: (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم)، فالظلم فيها خطير واثمه عظيم، ولاشك ان الاعمال الصالحة خير من العمل في غيرها، وبعض ايامها افضل من سائر ايامها، كليلة النصف من شعبان، وكذا غرة كل شهر وثلاثة ايام فيه يستحب صيامها، وهي الثالث عشر والرابع والخامس عشر من شهر ويسمونها البيض، ويوم الاثنين ويوم الخميس من كل اسبوع، والعشرة الايام الاولى من شهر ذي الحجة، متعدد الازمنة الفاضلة منحة ربانية لعباده ليشحنونها بالطاعة صلاة وصياماً وذكراً او تلاوة للقرآن وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليكونوا الى ربهم اقرب فيرضى عنهم ويمدهم بكل خير ويدرأ عنهم كل شر، ويغفل الناس حينما ينفقون ايامهم ولياليهم فيما لا خير فيه – اما شحنها بالمعصية فكارثة تصيب المؤمن يجب ان يفطن الا يقع فيها لينجو في دنياه واخراه.
وقد ظهر في عصرنا من الوسائل ما تضيع به كل الاوقات ولا يعود ينفع على من يستخدمونه، ومنها للاسف الوسيلة الاهم في هذا الزمان، وهو البث التلفزيوني وعبر الانترنت وهو ان وجد فيه ما يفيد في الدنيا فهو القليل النادر، اما الضار فهو الاعظم مما يعرض على الشاشات، اليوم والغريب ان هذا الضار يتضاعف في شهر رمضان فهذه القنوات الفضائية تحشد الكثير من المسلسلات، التي فيها في كثير من الاحيان ما يشبهه الفجور ان لم يكن هو الفجور ذاته، ويستهلك الناس اوقاتهم كلها في متابعتها, لعلك تسأل بعض من يتابعونها جزء من القرآن تلوث في رمضان لتجد ان الاجابة ان ليس لديه وقت لذلك ، ولكن ان يتابع مسلسلاً هابط وان يتسمر امام الشاشة بالساعات ليرى فيلماً لا يضيف اليه شيئا، بل لعله يوحي اليه بافكار ضارة به جدا، ولو اجرينا احصاء لوجدنا ان كثير من الناس يضيع اوقاته يتابع القنوات الفضائية ومواقع الانترنت، وهو امر معهود لا يمنكن لعاقل ان ينكره، ولا اشك ان من يبثون هذه القنوات يأثمون حينما يصرفون عامة الناس عن الطاعات في هذا الشهر الكريم ليتابعوا ما يبثون من المسلسلات والافلام والاغاني، حتى وان وضعوا بين الكم الكبير هذا برناجاً سموه دينياً، وانا لنرجو لهم ان يراجعوا انفسهم، فان لم يستطيعوا نفع اخوانهم، فلا اقل من ان يكفوا عنهم الشر في هذا الشهر الكريم فهل هم فاعلون هو ما ارجو والله ولي التوفيق.
ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *