نبيه بن مراد العطرجي

يُعرف الميزان بين أفراد المجتمع بأنه تلك الآلة التي تستخدم في البيع والشراء لوزن السلع التي لا يتم تداولها إلا بذلك، حتى أنه غدا مصطلحاً متداولاً في الأعمال الاقتصادية المتعددة، ولكن لو أمعنا النظر في معنى الميزان لوجدناه أشمل وأعم من ذلك، فكل الأمور الحياتية جملة وتفصيلاً مبنية على التوازن والعدل والقسط، وقد ذُكِرَ ذلك في منزل التحكيم في أكثر من آية {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} وفي السنة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم روي عن المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه قال: (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان…)
وفي عصرنا الحاضر اختلفت أمور كثيرة عما كانت عليه في السابق، وبذلك انقلبت الموازين، وأصبحنا نعيش حياة لا نظام فيها، واختلفت العادات والتقاليد، وأنقلب كل شيء عما كان عليه في الماضي الجميل، ماضي الآباء المزدهر بالحب والوئام والوفاق، فكان الصباح يجمع الشمل {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} ونُسْعد فيه بالتواصل ورويداً رويدا انقلبت الآية وأصبح الليل هو ملتقى الجميع {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} وبذلك تغير موعد النوم من طبيعته إلى نقيضه، ونتج عن ذلك ظهور أمراض عديدة كالضغط والسكر والبدانة … وغيرها لم تكن معروفه في السنين التي عايشت الأمور بطبيعتها، ولم يكن في العصور المنصرمة طاولة طعام، بل كانت سفرة من القماش يجتمع عليها جميع أفراد العائلة في وجبة الغذاء والعشاء قال عليه الصلاة والسلام: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) أما اليوم فتناول الطعام أصبح انفرادياً، ولا يجتمع أفراد العائلة سوياً لتناول الطعام إلا في النادر، ومع تطور الحياة، وما استحدثته من وسائل اتصال، فلم يعد الصغير يزور الكبير، ولا الكبير يسأل عن الصغير سوى بالرسائل الهاتفية التي قضت على أواصر المحبة الحقيقية، ويرتبط معها في ذلك اختلاف تربية الأبناء جذرياً عما كانت عليه في السابق، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل لحق قلب الموازين الأمور التعبدية، فكثر شيوخ الفتاوى الذين يفتون بما لا يعلمون، وأزدادت الأقاويل المتضاربة في ذلك وظهرت أمور عديدة يصعب حصرها في هذا المقال.
فهل لنا من وقفة صادقة مع أنفسنا نراجع خلالها حساباتنا، ونحاول أن نعيد بعض أو أكثر مجريات حياتنا كما كانت في السابق، ونعيد الموازين إلى وضعها الطبيعي.
شعر:
لا تــحــســبــن ســــــــروراً دائــــمــــاً أبـــــــــداً مــــــن ســـــــره زمـــــــن ســـاءتــــه أزمـــــــان .
ومن أصدق من الله قيلاً {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *