قرطبة نيويورك وقاضي اللاسامية

Avatar

أ.د. محمود نديم نحاس

أبدأ مقالي من حيث انتهى صديقي الذي يعيش في كندا، حيث قال في آخر مقال له: (الغرب هو يثرب العصر الحديث، يبحث عن مصعب بن عمير، لا عن هادم البرجين).
فمصعب بن عمير، سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، نشر الإسلام في كل بيت من بيوتها، وحوَّل الأعداء إلى أصدقاء، بعرض ما عنده بالحكمة والموعظة الحسنة.
أعجبني في هذا المجال تصرف الإمام الذي يريد إقامة مسجد قرطبة في نيويورك على بُعد مبنيين من مبنى مركز التجارة العالمي الذي انهار برجاه التوأمان في أحداث سبتمبر 2001م. فهو يروج للتعايش بين الديانات، واختار موقع المشروع ليقول للناس بأن جراح الماضي يجب أن تلتئم، وأن التركيز يجب أن يكون على التخطيط لحياة مستقبلية أفضل. وسمّى المشروع باسم قرطبة، التي لم تكن فقط واحة للفنون والثقافة والعلوم في أوروبا الغارقة في العصور الوسطى المظلمة، بل كانت أيضاً واحة للتفاهم الديني والتعايش السلمي، حيث عاش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود جنباً إلى جنب. بل إن اليهود هاجروا مع المسلمين عندما سقطت الأندلس.
ويتعرض مشروع المسجد لحملة تشنها مجموعات ضغط تربط بين أحداث سبتمبر وبين كل المسلمين، رغم أن الموقف الرسمي يدعو إلى عدم تحميل كل المسلمين وزر تلك الأحداث. وإذا ما تم منع بنائه فهذا يعني نجاح الفئات المتطرفة التي تحمِّل الإسلام وكافة المسلمين المسؤولية عن الأحداث.
وتدافع مجلة الإيكونوميست البريطانية عن إقامة المسجد لأنها ترى أن المسلمين هم جزء من نسيج أي بلد يعيشون فيه.
إن تعدد الأعراق هو قوة مادام اختلاف الناس اختلاف تكامل، لكنه يصبح مصدراً من مصادر الضعف والانقسام إذا انقلب إلى اختلاف تضاد.
أما تتمة عنوان مقالي فلها علاقة بما جاء في الأخبار عن القاضي البريطاني المتهم باللاسامية لأنه برَّأ نشطاء بريطانيين ينتمون إلى مجموعة حقوقية اقتحموا مصنعاً للمعدات احتجاجا على تزويده إسرائيل بحاملات للقذائف الذكية للطائرات التي كانت تقصف غزة وحطموا أجهزة بداخله. ومعروف أن هيئة المحلفين في النظام القضائي البريطاني هي التي تقرر تبرئة المتهم أو إدانته. وهي هيئة يتم اختيارها من عموم الناس. وتبرئتها للنشطاء دليل على قوة الشعور العام تجاه القضايا العالمية، وليس كما يظن بعضنا الذين يضعون الآخر كله في سلة واحدة. وهناك قضايا مشابهة بُرِّئ فيها ناشطون مناهضون للحرب في محاكم بريطانية أخرى، مثل تبرئة أربع نساء من مجموعة مناهضة للأسلحة النووية قمن بإعطاب طائرة حربية، وتبرئة تسعة نشطاء اقتحموا مصنعاً للسلاح. لكن هذا القاضي شبَّه ما جرى بأنه أعمال نازية، فناله ما ناله. فهل بيننا اليوم من أمثال مصعب بن عمير ليناقشوا أمثال هؤلاء ويرشدوهم للدين الحق؟ لكن أفضل وسيلة لدعوتهم هي أن نكون نحن على الصراط المستقيم.
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *