في ذكراه الأولى
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]مشعل الحارثي[/COLOR][/ALIGN]
لم أكن أتصور بعد انه حل عام كامل على رحيل والدي رحمه الله فأنا وإلى هذه اللحظة لم اشعر انه غادرني وانه مازال معي في كل حركاتي وسكناتي وسيظل باقياً معي ما بقي العمر رغم أني لا أزال أسير في مناكب هذه الأرض وروحه الكريمة في عنان السماء ومهما سطرت وحبرت من الكلمات والعبارات فلن تفي وصف ما تركه رحيله المبكر رحمه الله من أثر بالغ في نفسي فعصفت بي الذكرى لأتذكر تلك الأبيات لشاعر تونس الكبير أبي القاسم الشابي في رثاء والده وهو يخاطب الموت حيث يقول :
وفجعتني فيـما أحب
ومن إليـه أبث سـري
ورزأتني في عمدتي
وشورتي في كل أمري
وهدمت صرحاً لا ألوذ
بغـيره وهتكـت ستـري
والدي الراحل الكريم اليوم اكتب لك للمرة الأولى وقد عصفت بي وبأدمعي من جديد لواعج الفقد ومشاعر الألم وحرقة الفراق.
بكيتك حتى كدت بالدمع أشرق
وروحي من بين الجوانح تزهق
ففقدك أذوى في الحياة شبابها
وكنـت لـها زهـواً بـه يتـرقرق
والدي رحمه الله لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب أو فضة ولم يرث أموالاً طائلة بل ولد وفي قلبه قناعة وفي نفسه رضا بما كتب الله له وكانت أولى خطواته الجريئة قراره الانتقال بجدتي ووالدتي من القرية إلى الطائف رغم انه كان آنذاك لا يملك من حطام الدنيا شيئاً فأخذ يجوب الأرض بحثاً عن لقمة العيش واشتغل في عدة مهن حتى يوفر لأسرته العيش الرغيد وكانت خطوته الثانية حرصه على تعليمي وأنا في سن الرابعة من العمر وقبل أن ابدأ مشوار التعليم النظامي في مدارس الطائف رغم حظه البسيط من القراءة والكتابة فقد كان رجلاً عصامياً بمعنى الكلمة كما يقال وذاق في حياته مرارة العيش وذل الحاجة وقسوة الجوع إلا أن ذلك لم يثنه عن إسعاد أسرته وولوج حياة المدينة بما تتطلبه من أعباء وتكاليف والاهتمام بمن حوله من الأقارب والأصدقاء وسعيه الدءوب إلى مساعدة الآخرين والوفاء لأصدقائه ومحبيه.
كان والدي رحمه الله وطوال حياته يكره المرض ويخافه ويخشاه وما ذاك لما قد يعقب المرض في أحيان كثيرة من موت ونهاية للحياة فهو مؤمن بحقيقة المصير والمآل وما تجري به الأقدار .
حكم المنية في البرية جاري
ما هذه الدنيا بدار قرار
وإنما كل ما كان يخشاه أن يتسبب مرضه في إتعاس الآخرين و كل من حوله ويجلب لهم الملل خاصة إذا طالت فترة المرض و كان عاجزاً ولا يقوى على الحراك ومساعدة نفسه لذلك كان دائماً يدعو الله أن يكتب له موتة هنية لا تتعبه ولا تتعب الآخرين معه وان أتت الأقدار بخلاف ما كان يتمناه فقد أنهكه المرض في أعوامه الأخيرة حتى لقي وجه ربه جعل الله ما أصابه من برء ومرض ممحصاً له من الذنوب والخطايا ولكل مرضى المسلمين والمسلمات .
والدي أتذكرك اليوم لأرد لك شيئاً من عطائك ورعايتك لي ولإخوتي وأدعو لك بالرحمة والمغفرة ولأمة الإسلام والمسلمين أجمعين وان يجمعني الله بك في دار قراره المكين في فسيح جنانه ورحمته الواسعة .. وهذا علمي والسلام.
التصنيف: