في استراتيجية التدوير
كان للنشأة الاجتماعية في مدينة دمشق أثرها الواضح في أسلوب تعاملي مع الجماد وموارد الطبيعة ، حيث اكتسبت ثقافة شعبية تدعو إلى عدم الإسراف والتبذير وضرورة الاعتدال في الاستهلاك ، وأهمية استشراف المستقبل فيما وهبنا الله من نعم وخيرات ، وقد آثرت على نفسي ومنذ الصغر أن أحافظ على كل ما يقع تحت يدي من مال ومقتنيات وأن أحسن استخدامها لتبقى ثروة يستفاد منها في حالك الأيام وعند الحاجة واللزوم . توافقاً مع المثل القائل .”.خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود ” . هذه الثقافة في إيلاء الشيء أهمية مهما قلّ قدره وصغرت قيمته ، تمهد لإنجاح الخطط الاستراتيجية التي تنادي بضرورة استخلاص كل شيء من الشيء ومن الشيء كل شيء !..وذلك بإعادة تدوير ومعالجة ما تم استهلاكه وانتهت صلاحيته من مواد ونفايات ثم اخراجها للسوق كخامات جديدة ومنتجات تصلح للاستعمال ولو بمواصفات أقل جودة عن المنتج الأصلي ، وكمثال على ذلك: تدوير علب المشروبات الغازية الفارغة واستخدامها في صناعة ألواح الألمونيوم .
إن ازدياد الطلب على الآلات الصناعية والمواد المصنعة أدى إلى تضخم كمية النفايات الصلبة ، وتعاظم مخلفات المواد المستهلكة ، الأمر الذي اضطر ببعض الحكومات إلى التخلص منها عن طريق الطمر داخل الأرض أو الحرق أو الرمي في الأنهار والمحيطات ، مما تسبب تلوثاً في البيئة واحتباساً في الحرارة ، وتشوهات خلقية عند الأجنة ، وانقراضاً لبعض الكائنات الحية .ومن هنا برزت الحاجة إلى إعادة تدوير(recycling ) تلك المواد التالفة ، وإعادة السلامة البيئية . حيث قلّت الأمراض التي تنقلها جراثيم مكبات النفايات ، نتيجة لفصل المواد العضوية واستخدامها كسماد للنباتات . وتضاءلت عمليات قطع الأشجار واستنزاف الغابات ، وانخفض استجرار المياه الجوفية نتيجة لتنقية المياه الآسنة وصرفها في ري الأراضي الزراعية . وصار الإنسان ينوع في وجباته الغذائية ويدور بقايا طعامه بطرق متعددة ونكهات جديدة ، تفتح الشهية وتليق بالإهداء.
مشروع إعادة التدوير يحقق عوائد اقتصادية رابحة ويخلق فرص وظيفية عديدة ، كما يعكس لدى تطبيقه الأسلوب الحضاري الأمثل في التخلص من البقايا والمخلفات ، وتبقى سياسة الإنسان في الترشيد والتقنين لكل ما نستهلكه في حياتنا اليومية ، هو الحل الذي يُبقي الموارد الطبيعية في ديمومة والبيئة الصحية في استدامة ، نورثها للأجيال اللاحقة ، ونستحق عليها الشكر والثناء.
التصنيف: