فرنسا ورمال الصحراء المتحركة

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د.حماه الله ولد السالم[/COLOR][/ALIGN]

أكملت فرنسا انسحاب قواتها من أفغانستان، لكنها تورطت في صحراء مالي، في حرب مفتوحة وصعبة ضد نفس الخصم الذي تركته في جبال آسيا الوسطى، وهو هنا الجماعات الإسلامية المسلحة والمتشددة وثيقة الصلة بالقاعدة وما يتصل بها.
ما الذي دفع فرنسا إلى تلك المغامرة في ظل الإفلاس المالي والأزمة الاقتصادية الدولية، وبعد انسحاب مكشوف يشبه الهزيمة أمام طالبان، وبتدخل جديد يشكل مغامرة شديدة الخطورة قد لا يمكن تحديد عواقبها.السبب المعلن هو إنقاذ دولة مالي، مُستعمَرة الأمس، من سيطرة الجماعات المسلحة، وما ينتج عنه من تغلغل مخيف في جنوب الصحراء صوب قلب إفريقيا الفرنكفونية ومعقل المصالح الفرنسية الاقتصادية والثقافية.والسبب المعلن أيضًا هو وقف التطور العسكري واللوجستي للجماعات المسلحة التي باتت ـ حسب الطرح الفرنسي ـ تهدد أوروبا في حال تطور وجودها وامتد شمالاً، في وقت صارت تشكل تهديدًا جديًا للرعايا الأوروبيين والفرنسيين خصوصًا في دول إفريقيا الغربية.لكن خفايا التدخل الفرنسي أعمق من تلك الأسباب المعلنة، حتى ولو حازت جزءًا من الصدقية، ولذلك فإن القوات الفرنسية وُجدت في مالي لتبقى هناك ولمُدد غير معلومة على الأقل في المديَيْن القريب والمتوسط.
ويُذكّر بعض الباحثين بالمسعى الغربي القديم ـ الجديد إلى محاصرة القوى المتشددة قبل وصولها السلطة . وفي مطلق الأحوال التدخل الفرنسي يبقى مغامرة بالغة الخطورة والسفه بحكم طبيعة الخصم الشرس والمراوغ والعقائدي وصعوبة مجال الحرب المعقد والصعب بل والمرعب وهو عبارة عن صحراوات ممتدة بين موريتانيا غربًا والجزائر شمالاً والنيجر شرقًا وعقفة نهر النيجر جنوبًا.
القوات الفرنسية واجهت عنفا غريبًا قرب بلدات تعتبر ممرًا سالكًا نحو العاصمة باماكو، والقوات المالية فشلت وربما هزمت حين حاولت مواجهة زحف المسلحين.فرنسا ستركز على القصف الجوي للمجاميع المتحركة، وهو عمل فعال في حال ظلت المعارك مستمرة في المناطق المكشوفة، لكن الجماعات المسلحة تغلغلت في مشارف الغابات وباتت ضمن مجال السافانا والتخوم الغابوية ما يحيّد الهجوم الجوي بل ويجعل الغارات الجوية تستهدف القرى التي يختلط المسلحون بسكانها ما ينذر بتفكك الإجماع الشعبي المالي حول التدخل الفرنسي.لكن الجيش الفرنسي البري لن يستطيع حصار الجماعات المسلحة في فضاء مفتوح وصعب ومعقد وتعرفه تلك الجماعات شبرًا شبرًا، وستظل قوتها متمركزة في سلسلة جبال في أقصى شمال غرب مالي قرب الشمال الموريتاني وهي منطقة وعرة وصعبة المسالك ويستحيل حصار المتمركزين فيها لوجود مصادر المياه والكهوف.
قصارى ما يمكن أن تحصل عليه القوات الفرنسية هو النصر الأوّلي باسترجاع المدن والقرى شمال النهر إلى السلطة المالية، وبقاء الجماعات المسلحة بعيدًا في الدواخل الصحراوية حيث ملجؤها ومستقرها المفضل.
وقتها ستواجه فرنسا استحقاقًا صعبًا وهو مطالب السكان المحليين من الطوارق والعرب وقضيتهم هي سبب المشكل الذي جعل المنطقة فضاء عصيًا على الدولة المالية ومتمردا عليها.
قد تلجأ فرنسا إلى دعم حركة الطوارق العلمانية والفرنكفونية، ما يجعل هذه في مواجهة مباشرة للجماعات المسلحة ويحوّل قضية أزواد من تدخل أجنبي و\”إرهاب\” إلى صراعات محلية قد تتحول إلى حرب أهلية أسوأ من الغزو الأجنبي.
* كاتب موريتاني

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *