غَدَاً سَتَعْرِفُ مَنْ أَنَا

Avatar

نبيه بن مراد العطرجي

المرءُ فِي الحيَاة الدُنيا بِطبيعَته يُعاشِر النَاس ، وَيأنَس بِصحبتهِم ، وَيتخِذ مِنهمْ إخوَاناً وَأحبَاباً ، وطَبيعة الأيَام الأخْذ وَالعطَاء مَع الإنْسان ، وَلا تثْبت لَه عَلى حَال ، فتَارة تبتَسم لَه ، وَأخْرى تَكُن عَليه ، وَبين هَذه وَتلك أيَام هَادئة طبِيعية ، وَمن مِنا لَا يحتَاج للآخَر فِي زَمنٍ المكُوث فِيه قلِيل ، فَالكُل مُرتبط مَع بعضه البَعض وَيحتاج كُل مِنا الآخر ، وَقد تتفَاوت الخدمَات المقدَمة مِن شخْص لِشخص ، إلَا أَن هُناك فِئة مُعينة تتلقَى مِنك الكثِير وَالكثِير وَالكثِير قَبل أَن تقوَى عَلى الطيرَان فِي فضَاء الحيَاة ، وَبعد أَن تتعَلم كَيف تَستسْقي مَا تحتَاجه مِن غَيرك وَبدونك تجدهَا تُكافئك بالقطِيعة وَالهجرَان ، وكَأن مَا فعلتَه معهَا وَاجب مفرُوض عَليك ، وَفيما مضَى مِن العُمر تعلمنَا مِن آبائنَا أَن مَن يُعاملك بهَذا الأسلُوب المصلحِي
فاتركْه يخُوض بَحر الحيَاة ، وَلكن وَجِهْ لَه سُؤالا وَاحدا فقَط : مَن أكُون أنَا بِالنسبة لَك !! عِندها لَن تجِد مِنه إجَابة وَافية شافِية ، لِأن هَذا السُؤال فِي مِثل هِذه الحَالات تَصعب الإجَابة عَليه بحقِيقة واضِحة ، فَإن لمْ تجِد الإجَابة فبأسلُوب رَاقٍ عَرفه أنك كُنت لِدروبه الضِياء فِي كُل مَا كَان ، وَأنه تخَلى عَنك فِي يَوم مِن الأيَام لِأمر جَال فِي خاطِره ، أوْ أوهمَته الحيَاة بِغرورهَا وَزخرفتهَا بِأنه يَستطِيع العَيش بمفرَده فِيها بعِيداً لمنْ مد لَه الأيادِي البيضَاء عِندما احتَاج لهَا فيمَا مضَى مِن أيَام ، وَأبلغه بِأنه سَيعود بَعد فَترة مِن الزمَان طَالت أوْ قصُرت وَالدمع عَلى وَجنتيه يطْلب الصَفح وَالرجُوع إلَى مَا كَان عَليه ، وَذكره وَهو فِي عِزه الزائِل بِأن الرجُوع غَداً سَيكُون أصعَب مِن اليَوم ، فَالوَقت كَالنهَر لَا تَستطِيع لمسْ مَائه مَرتين لِأن الماء المتَدفِق مِنه لنْ يمُر نَفسه مَرة ثَانِية ، وَالطَير الذِي تَستمتِع بِتغرِيده ، وَتتمتَع بِالنظر إِليه وَهو حَبيس قَفصكْ ، أفْضل مِن تَغارِيد سِرب مِن الطُيور فِي الفضَاء الطَلق تُحلق بَعيداً عَنك ، وَقد قِيل – لَا تجعَل أَي شَخص أنْ يكُون مِن أولويَات حيَاتك بَينما تكُون أنْت مُجرد بَديل فِي حيَاته فمَا أجْمل أنْ تكُون العِلاقة متوَازنة بَين الطرفِين – وَالسَلف الصَالح رِضوَان الله عَليهِم كَانوا يُعرفُون الفَضل لِأهله وَيجازُون الإحْسان بِالإحْسان ، وَيكافِئون أهْل المعرُوف وَلا ينكِرونه ، وقَد تعَلمنَا مِن الكُمل ممنْ سَارُوا عَلى ذَلك النَهج القَيم أَن مَن مَد يَده لنَا عَلينا أنْ نَبوسهَا لَا أنْ نَدوسهَا ، تعَلمنَا مِنهم الوَفاء ، وأنْ نَعرف مَا لنَا وَما علينَا ، وَأنْ لَا نتجَاهل مَن لهمْ أفضَال عَلينا ، تعَلمنَا مِنهم الكثِير الذِي يَفتقِده أبنَاء هَذا الجِيل .
همسة : الود يبَقى … وحُب الله يجمَعنَا .
وَكزهْ : التَلمِيح أفْضَل مِن التصْرِيح .
ومن أصدق من الله قيلاً {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}

[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *