غشاشون (منا وإلينا)
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]
عندما تشتري أدوات منزلية وأجهزة كهربائية وقطع غيار بسعر أرخص، ثم تفاجأ بعد أسابيع أنها تلفت أو تهدد صحتك وسلامتك!!.. قطعًا ستغضب وتتحسر على فلوسك التي طارت. هذا للأسف حالنا كمستهلكين وحال اقتصادنا الذي يتكبد عشرات المليارات سنويًا. فالغش يملأ أسواقنا بالبضائع المقلدة و(الاستوكات) المضروبة من الإبرة إلى الحاسوب، والسر (ليس في بير ولا سطل ولا برميل).. فمعلوم أن استيرادها أقل تكلفة وبيعها أسرع وربحها أعلى، وبعض ربعنا يجيدون فرص (حج وبيع سبح) وباتوا يعرفون أن الصين لم تعد بعيدة، ولم يعد سورها العظيم مانعًا كما كان منذ قرون، بل ويعلمون أيضًا أن مصانعها الصغيرة جاهزة لأي مواصفات، ولذا يزورونها خفافًا بالدولار ويعودوا ثقالًا بحاويات المقلد والمغشوش.
يقول الحديث الشريف «من غشنا فليس منا»، لكن من يسمع ويتدبر ويلتزم؟! والذي يستنزفنا ويضر باقتصادنا ليس من بلاد الواق واق، وإنما بكل اسف هم (منا) بشخوصهم وأموالهم أو بأوراقهم المتسترة على تجار الغش في أسواقنا.وإذا كانت الجمارك في كل المنافذ ساهرة على مدار الساعة من أجل مكافحة هذه التجارة وحماية البلاد والعباد منها ومن آفة المخدرات والمسكرات، وإذا كانت القوانين موجودة وتنص على عقوبات بالغرامة أو السجن أو كليهما، فأين المشكلة إذن؟!
باختصار شديد.. تجارة الغش ضخمة عالميًا وتقدر بنحو (2.2) تريليون دولار، وأساليب التهريب حربائية متخفية، والعلاج يتوقف على أمور عدة لا تحتاج إلى اكتشاف أو اختراع، بل هي معروفة عند كل من يهمه الأمر، وقد أشبعتها المؤتمرات والمنتديات والاجتماعات محليًا وعربيًا وعالميًا، ولعل آخرها «المنتدى العربي الثالث الذي نظمته مصلحة الجمارك في الرياض خلال شهر مارس الجاري»، وقد أصدر 34 توصية، ومن قبله بثلاث سنوات أصدر المنتدى الثاني 18 توصية، بما يشكل إجمالًا 52 توصية، ولكن يبقى السؤال حاضرًا.. ماذا تحقق منها؟!
وطبقاً للمثل القائل «شمس تطلع.. خبر يبان» نجد أن هذه التوصيات ليس لها صدى على أرض الواقع، وإذا كان من السهل فرض مثل هذا العدد من التوصيات، فإن المشكلة تتمحور في التنفيذ وتفعيل الاجراءات، مثال ذلك: ما أوصى به المنتدى بإنشاء معارض في مراكز التسوق تشرح للمستهلك الفرق بين المنتج الأصلي والمقلد (بينما للأسف مراكزنا لاتعرف سوى خداع واستنزاف المستهلك)، وتدعوا توصية أخرى إلى ضرورة التوعية بالتنسيق مع جمعيات حماية المستهلك الوطنية (ويا فرحة ما كملت، فجمعيتنا غارقة لحلقومها في مشاكلها)، وهناك توصية تؤكد على أهمية تكثيف الجولات الميدانية وسحب عينات من السوق، وعدم السماح بالإعلان عن المنتجات المخالفة للمواصفات (ولله الحمد فإن السوق بخير، حيث لا توجد عدسات لاصقة تؤلم العيون أو أدوات تجميل عند – أبو ريالين – تحرق البشرة)، وأختم أمثلتي بتلك التوصية التي صدرت عن المنتدى الثاني قبل ثلاث سنوات وتطالب الوكلاء والمنتجين بتخفيض أسعار السلع الأصلية من أجل قطع الطريق على السلع المقلدة الرخيصة، بينما لا يزال يردد المستهلك إلى يومنا هذا (المويه تكذب الغطاس).
الخلاصة.. نحن العرب (نسمع جعجعة ولا نرى طحينًا)، وكان الله في عون الجمارك والمستهلك.
كاتب وباحث أكاديمي
[email protected]
التصنيف: