[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عريب الرنتاوي [/COLOR][/ALIGN]

لا ينبغي أن تنصرف الأذهان إلى \”جرائم الشرف\” حين نتحدث عن ظاهرة تعنيف النساء ، كما يحدث غالبا ، فضحايا هذه الجرائم (التي لا تشرّف مقترفيها ، ولا تتكشف عن شرف فائض يجيش في عروقهم) ، هن قلة من النساء ، في حين أن ضحايا العنف ضد المرأة يصعب حصرهن ، لا لكثرتهن فحسب ، بل ولحساسية المسألة وما تثيرة من أسئلة ثقافية وتربوية ، دينية واجتماعية.
أبشع مظاهر العنف الموجّه ضد النساء ، هو ذاك الذي يجد تبريره وتفسيره عند المرأة ذاتها…وأكثر اللحظات تسببا للألم وأحيانا للإحباط ، هي تلك التي تشرع فيها نساء في سرد \”الأسباب الموجبة\” لتعنيفهن ، وتقديم الدلائل والشواهد على \”صحة\” الظاهرة وانسجامها مع تعاليم السماء ، بل وانبثاقها من \”الطبائع المختلفة\” للرجال عن النساء ، والتي عادة ما تكون المستند الرئيس لمفهوم \”القوامة\”.
ليس لدي إحصاءات دقيقة تشرح مستوى انتشار وتفشي ظاهرة \”العنف ضد النساء\” ، ولا أحسب أن الإحصاءات في هذا الميدان \”الحساس\” ، تعطي صورة عن حجم الظاهرة ، مهما بلغت دقتها وصرامتها العلميتين ، فالمسألة ببساطة تدخل في سياق \”الأسرار العليا\” لمعظم الأسر الأردنية ، وهو شأن يدفن غالبا في \”الصندوق الأسود\” لغرف نومنا.في مجتمع بطريركي ـ ذكوري ، يبدو تعنيف النساء أمرا مستسهلا ومستساغا ، فالزوج \”يؤدّب\” زوجته ، والأخ \”يسهر\” على إخلاق أخته ، والأب له سلطة عليا على الأبناء والأحفاد ، خصوصا الإناث منهن ، وتمتد يد السيطرة القوية على النساء إلى ما هو أبعد من \”العائلة الصغيرة\”.
وثمة أعراف سائدة في ثقافتنا الدارجة ، تمجّد الرجل \”الحمش\” ، ذي اليد الطويلة على \”محارمه\” طالما أن الأمر يدخل في إطار \”صون الشرف\” ويندرج في سياق \”حق القوامة\” ، ولكم رأينا وسمعنا وشهدنا قصصا وحكايات تبالغ في هذا التمجيد ، وتحرّض الأخ على أخته ، والزوج على زوجته ، والأب والخال والعم للاضطلاع بأدوارهم الذكورية المعتادة.
لسنا بحاجة للتأكيد بأن \”الصلاحيات\” الذكورية ، لطالما أسيء استخدامها في الأسرة والمدرسة والمجتمع على حد سواء ، وأن ما يسمى \”حقا\” للرجل في التقويم والتقييم والقوامة ، لطالما تحوّل إلى إداة إرهاب وابتزاز وإساءة ، وصولا حد القتل العمد بسيف \”العذر المُحلّ والمخفف\” ، وقد آن الأوان لمواقف جريئة تجتث العنف والتعنيف ضد النساء ، وتحول دون استمراره كظاهرة ، آن الأوان لحملة وطنية \”تقبّح\” العنف ضد المرأة وتضعه في خانة الجنحة أو الجريمة جزائيا ، وتجعل من مقترفها خارجا على القانون ، آن الأوان لجهد ثقافي ، توعوي وتربوي ، ينتهي إلى الحط من قدر من يمارس هذه الظاهرة ، حتى لا يظل \”بطلا\” في بعض المأثورات الشعبية المتخلفة ، آن الأوان لوقفة من رجال الدين ترفع \”الوعظ والإرشاد\” في هذه المسألة من مصاف المناشدة والتمني إلى مستوى التحريم والتجريم ، آن الأوان للفاعلين في منظومتنا الاجتماعية والقيمية العائلية والعشائرية ، أن يكونوا طليعيين في مجابهة هذه الظاهرة ، وعدم التذرع بالموروث والأعراف ، فكثير من الموروثات والأعراف ، باتت عبئا ثقيلا علينا ، وليس لكل ظواهر الماضي ومظاهرة ، وقعا وأثرا إيجابيا بالضرورة ، وكوننا شهدنا على ما كان آباؤنا وأجدادنا يفعلون ، لا يعني أنهم كانوا على صواب أو أن دعوتنا هذه على خطأ ، ولو بقينا ننظر بقداسة وتقديس لماضينا ، لما حدث ، ولن يحدث أي تطور من أي نوع ، فهل نحن فاعلون ؟.
الدستور الأردنية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *