عن أيِّ قدس نتحدث؟
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] عبدالرحمن بجَّاش[/COLOR][/ALIGN]
«لا تُوجد خُطَّةٌ عربيةٌ إسلاميةٌ فلسطينيةٌ رسميةٌ تجاه الخُطَّة الإسرائيلية التي تُسابق الزمن للوصول إلى العاصمة الأبديَّة لإسرائيل».
تلك خُلاصة برنامجٍ أُذيع تلفزيونياً حول القُدس، التي تُقضم كُلّ صباح وتتغيَّر ملامحها كُلّ دقيقة، نحنُ نتغنَّى بها، وهُم يستولون على كُلِّ ما فيها، نحنُ نحتفل بكونها عاصمةً للثقافة العربية، وهُم يستعدُّون بـ «الشمعدان» للهيكل المزعوم!!
كيف هي الصُّورة؟ تبدو – بل هي كذلك – كئيبةً وتُدمِّر النفس التوَّاقة إلى خلاص المسجد الأقصى من هؤلاء القادمين من كُلّ الآفاق، ليس لهم حقٌّ إلاَّ ما فرضته قُوَّة خداع هذا العالم الذي لا يُؤمن بغير القوي، وأين القوي عربياً وإسلامياً؟ فقط في صفحات كُتب الماضي.
خُذْ هذه الحقائق على الأرض، في ظلِّ الاحتفال الفضائي بالقُدس عاصمةً للثقافة العربية، التي لا وجود لها إلاَّ في ملفَّات جامعةٍ عربيةٍ لا تُقدِّم ولا تُؤخَّر، ومُسلمين لم يَعُدْ يُوحِّدهم شيء، وأنظمةٌ تُحارب طواحين الهواء، تُستفزّ لأتفه الأسباب، ولا يستفزّها ما يجري للقُدس وأقصاها الشريف، فالأحياء العربية المُحيطة بها تُحاصرها المُستوطنات وطُرق المُستوطنين، و(02) ألف منزلٍ تقول إسرائيل إنَّها غير مُرخَّصة، وهُو المُبرِّر الذي تهدم بمُوجبه منازل أصحاب الحقّ، الذين يُراد منهم أن ينالوا ترخيصاً من المُحتلّ لأرضهم ووجودهم!! ويأتي العالم ليقول لكَ : إسرائيل ليست عُنصرية، وهل هُناك أكثر عنُصريةً من أن تقول بيهودة دولتهم أو كيانهم وليذهب الآخرون إلى الجحيم؟!أستغربُ لهذه الولايات التي يقوم وينبني دُستورها على احترام حُقوق الإنسان وتحرُّر العبيد، وتتَّحد بعد نضالٍ مرير، وفي الأخير تقف إلى جانب طرفٍ يقول بنقاء دمه ويُشكِّك في كون الآخرين بَشَراً!! كيانٌ يحمي نفسه – أو هكذا يُخيَّل إليه – من أنفاس شعبٍ مقهورٍ بجدارٍ عُنصريٍّ بغيضٍ ينظر إليه العالم، الذي يُكرِّر كالببَّغاء ليل نهار التزامه بأمن إسرائيل، ولا يُعير شعباً مُجرَّداً من كُلّ أسباب القُوَّة ومقهوراً ومنهوبةً أرضه وسماؤه وبحره، لا يُعير كُلّ ذلك التفاتة، بل مُجرَّد وعودٍ ومواعيد، كسباً للوقت ليُغيِّروا هُم ملامح كُلّ مُكوِّنات فلسطين وقُدسها وأقصاها، حتَّى إذا أتيت في الأخير – ولن يأتي هذا الأخير أبداً – لا تجد ما تتحدَّث عنه، فوفق المُخطَّطات الاستيطانية المُستقلَّة، فإنَّ (09%) من سُكَّان القُدس عام 0202م سيكونون اليهود، وتنوي هدم (0071) مبنىً للفلسطينيين هذا العام وحده، بعد أن هدمت (009) مبنىً في الأعوام العشرة الأخيرة، وأصدرت إلى الآن (0006) أمر هدمٍ لمنازل ومبانٍ عربيةٍ مُنذُ العام 0002م، وقد بدأت استيطانها للقُدس وللحيّ العربي تحديداً بـ (4) آلاف مُستوطنٍ في (06) بُؤرةً استيطانيةً بين (03) ألف عربيٍّ يتناقصون يومياً وبشتَّى الأساليب، التي منها منع المقدسي من الزواج بفتاةٍ من رام اللَّه، مثلاً، وإذا حدث وذهب شابٌّ وتزوَّج، فإمَّا أنَّه لا يُسمح له بالعودة، أو لا يُسمح له، في أحسن الأحوال، بإعادة زوجته معه!!
ماذا يُريد العالم أكبر من هذا الدليل على عُنصرية إسرائيل؟ لا فرق بين يسارها ووسطها ويمينها، اللَّهُمَّ إلاَّ في الوسائل والأدوات، يسار يقتل الحياة وهُو يبتسم، ويمين يقتلها وهُو مُعقد الحواجب، ووسط يأخذ من الاثنين أسوأ ما فيهما ويُعيد الإخراج، وعَالمٌ تراه الآن مُستعدَّاً للمُوافقة على التخلِّي عن كُلّ ما اتَّفق عليه، برغم إدراك أيّ عاقلٍ أنْ لا شيء منه سيُنفَّذ، كُلّ ما في الأمر إهدار وقتٍ إلى ما لا نهاية، وعند تلك النهاية لن يجد الفلسطينيون والعرب والمُسلمون سوى السراب الذي يحسبه الظمآن بقيعة ماء، وليس هُو كذلك!!الأقصى الآن مُعلَّقٌ بسبب الممرَّات والأنفاق التي تُحفر تحته، وانظُر كم هؤلاء الناس خُبثاء، حتَّى إذا أتت لحظةٌ وقيل للعالم : خلاص المسجد للمُسلمين، فتكون أعماق الأرض مِلْكَا لهم.يصير الآن – وبنهمٍ وبعجلةٍ ومن خلال خُططٍ وبرامج – تغيير كُلّ شيء، حتَّى تضييق النطاق الجُغرافي للفلسطينيين، للوصول إلى مساحةٍ مُستوطنةٍ أكبر وسُكَّانٍ فلسطينيين أقلّ!!
ماذا نُريد أكثر من هذا كعربٍ وكمُسلمين؟ فالخطر ماثلٌ للعيان، والعرب والمُسلمون صُورتهم واضحةٌ من الفقرة التي استفتحنا بها مشهد اليوم.
الثورة اليمنية
التصنيف: