[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبد الرازق أحمد الشاعر[/COLOR][/ALIGN]

عام 1896، شرعن القانون الأمريكي العنصرية البغيضة ووقف مشرفا على تقسيم نهر المواطنة إلى فرعين، أحدهما أبيض مشرب بحمرة النعمة، والآخر مسرف في السواد كقط أدهم مغمض العينين في ركن منسي بكهف منعزل ذات ليلة غاب عنها القمر. في تلك السنة الحزينة من تاريخ القهر، وقف القانون مفرجا بين ساقيه ليشرف على العبودية والإذلال والعنصرية.
وفي العشرين من يناير عام 2009، وقف باراك أوباما على منصة التتويج ليفتتح مصبا جديدا للحلم الأمريكي، ويمسك فرعي النهر المتباغضين من ذيليهما النافرين ليضعهما في معصم قانون واحد لا يفرق بين بشرة وبشرة. يومها وقف الأسود القادم من بطن إفريقيا على قدمين من عدالة ليقول بنبرة واثقة: \”هنا تكشف الحرية والعقيدة عن ساقيها – هنا يقف الجميع رجالا ونساء، شبانا وشيبا، من كافة الأجناس والديانات ليحتفلوا معا في هذا المكان الرائع بتلاوة رجل لم يكن يسمح لأبيه أن يجلس في مطعم شعبي منذ ستة عقود، يمين الولاء.\”
كم تأخرت أمريكا عن الخروج من قشرة العنصرية البغيضة التي حطمها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا ونيف! ففي جزيرة العرب ذات جهالة، كان للسواد بورصته، وكان الناس يتفاضلون ببياض جباههم وينفخون أوداجهم المشربة بحمرة العافية كلما مروا على كومة من اللحم الأسود في طريقهم للشراب. وكانت لغة السوط الوسيلة المثلى للتواصل بين فرعي الإنسانية المعذبة.
وجاء الإسلام، فأخرج عامل الألوان من معادلة التفاضل، وتلاحم السواد مع البياض فأنتج إنسانية رائعة يوم أعلن رسول البشرية أن لا فضل لأبيض ولا فضيلة لعربي إلا بالتقوى والعمل الصالح. يومها أسقط في أيدي أناس ظنوا ذات جهالة أن خير ما يفعله الأبيض أن يكحل عينيه أو يفرق شعره بالدهن.
تأخرت أمريكا ثلاثة وأربعين رئيسا، وتخلف قانونها عن حضارتها أمدا بعيدا، حتى أفاقت ذات ثورة وأدركت أن تاريخ الظلم ليس مبررا للتمادي في الغي، وأن النهر الذي قسمه القانون قادر على الالتئام في شريان المواطنة ولو بعد حين. وتجاوزت أمريكا عقدة نقص الألوان لتدخل ساحة الإنسانية من بابها الأوسع.
تخلف القانون الأمريكي كثيرا عن قانون السماء، وسبقت البادية العربية بجدبها وسقمها، وسقفها المعروشة بجريد النخيل ناطحات السحاب الأمريكية ودرعها الصاروخية حين انتصر البدو على عنصريتهم بعد أن أعلن نبي الرحمة القلب محلا للتفاضل والعمل بابا نحو السماء.
وفي بلاد باض فيها الدين وفرخ، نجد أنفسنا اليوم بعد تاريخ من الحضارة، خارج خارطة التاريخ وخارج جغرافية العواصم، مضطرون للتحزب مع أي فرقة أو الانزلاق نحو أي شريان. ننظر تحت أقدامنا، فلا نرى إلا أنفاق عنصرية بغيضة زرعها الحكام وسقتها الرعية. فيتفاضل الناس بانتماءاتهم النرجسية، وتاريخهم العنصري، ونزعاتهم اللادينية . في بلادي، يتصدر الناس المجالس اليوم بالعداء والاستعداء، ويتفاضلون فيما بينهم بسخائم القلوب ونزعات الاستعلاء.
ننظر إلى التاريخ، فيفرقنا التاريخ، ونبحث في الخرائط، فلا نرى إلا آثار حروب أو بقايا فتن. وننظر حولنا، فلا نجد إلا فرقا تضل وشخوصا تمل ودينا يوزعه الأغبياء على رفاقهم كالمناصب، واستقواء بتبعية، وثورات همجية، ودماء تحمل بصمات شتى.
اليوم ينبش البعض في دولاب الإسلام ليبحث عن سترة نجاة تحميه من الغرق، وليذهب من بقي من أهل ورحم إلى قاع المحيط، ويمد البعض يديه إلى أي عدو طمعا في أنفاس معدودة وآمال محدودة. فلا نحصد من اتباع هؤلاء والسير خلف أولئك إلا كثيرا من النيران ومزيدا من الفشل. وننظر بعيدا فلا نري في الأفق ثمة إمكانية لالتقاء، ولا ثمة إمكانية للعودة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *