في أحد الأيام زارنا صديق ابني ذو التسع أعوام لأول مرة، وكان مهذَبا معي وخجولا، في ذات الوقت فاجأتني جرأته مع الخادمات وقلَة أدبه. جلست في الغرفة المجاورة وتركت بابي مفتوحا، وأغلب ظنِي أنه لم ينتبه لوجودي بالقرب منهم عندما بدأ يصرخ “دادااااا” بأعلى صوته لعدة مرات _يقصد الخادمة ولا يعرف اسمها_ وعندما جاءت طلب منها كوبا من الحليب بصيغة أمر وبدون أن يلتفت اليها، فأتت له بطلبه ووضعته على الطاولة أمامه وانصرفت، ولم يشكرها لكنَه قرر أن يخلع حذاءه وناداها يحاول استدراكها وهي منصرفة، وما ان التفتت حتَى رمى بحذاءه عليها وهو يأمرها بأن تضعه عند الباب! كنت قد قررت التدخل عندما ناداها في المرَة الثانية وهممت بالخروج من الغرفة لأصدم بمشهد الحذاء الطائر في اتجاه الخادمة، فاعتذرت للخادمة ووجَهتها بترك الحذاء مكان سقوطه وتمالكت أعصابي وأنا أقول لصديق ابني بلطف: أرجوا منك أخذ حذائك ووضعه في المكان الذي تريد وإن أردت شيئا آخر فاطلبه منِي أنا شخصيَا وأضفت “كذا عيب يا بابا” بابتسامة خفيفة تخفي غضبا شديدا، ليس منه بل من مربِيه. حرصت أن يرى ابني تأنيبي لصديقه، وبعدما غادر شرحت لابني لماذا لم يعد مرحَبا بهذا الصَديق في منزلنا مرَة أخرى، وارتحت كثيرا عندما وجدته متعاطفا مع الخادمة ومذهولا من تصرُف صديقه.
لا أتمنى أن تمر أية عائلة بظروف مماثلة لتلك التي مرت بها عائلات فقدت أطفالها على أيدي خادمات، ولكن لابد أن نسأل أنفسنا بتجرُد من العواطف والولاءات، هل كل تلك الخادمات القاتلات مجنونات ولديهنَ طقوس؟ أو أن هناك مجالا لأن تكون أفعالهن نابعة من رغبة في الانتقام وذلك الجنون مجرَد تمثيليَة تحتمل تخفِف الحكم..! هل فتحت هذه الجرائم أعيننا وبصيرتنا؟ وهل أيقظت ضمائرنا وغيَرت اسلوبنا معهن، أم أنَنا بكل سذاجة غيَرنا جنسيَة من تخدمنا فحسب..!
أستحضر كلمات والدي بشكل يومي في تعاملي مع الخدم، عندما كنَا صغارا أنا وأخواتي الأربع لم يكن يسمح لنا بأن نطلب من الخادمة شيئا مهما كبر أو صغر، بل كان فوق ذلك يأمرنا بمساعدتها في أعمال المنزل ويذكِرنا دوما أنَها ليست هنا لتخدمنا بل لتساعد والدتنا فحسب، وأنَنا كان من الممكن أن نكون مكانها وتكون مكاننا لولا قدر الله، وكيف أنه لا دور لنا على الإطلاق في تميُز مستوانا المعيشي عن مستواها، وأن دوام الحال من المحال وقد نجد أنفسنا يوما ما خادمات في حال تغيرت الظروف. كنت فعلا أسرح بخيالي عندما أسمع كلماته وأتخيل نفسي خادمة مغتربة في بلد ما، وسرعان ما أجد نفسي تلقائيا أهم بمساعدتها بحماس وأقوم بدور الخادمة وأتجاوز المساعدة للحوار والتقرُب واللعب والضحك. كنت وما زلت أحزن كثيرا على وضع عاملات المنازل الذي لا يحتمله أي منَا في أحسن ظروفه.. بعد عن الأهل والأولاد والوطن، عمل شاق ووحدة، لا مؤنس ولا ترفيه ولا أصدقاء لسنين، والحمدلله على كل حال. قد أختلف مع والدي في الكثير من الأمور.. لكنَني أتفق معه في أمور أكثر. وبين يديه أقول: شكرا يا بابا.

 

@tamadoralyami
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *